يعيش المغرب، ككل دول العالم، حالة حصار ذاتي اختاره طوعا للحفاظ على صحة مواطنيه. هذا الوضع، الذي سببه فيروس “كورونا”، كشف عيوبا تتجلى في عدة مستويات، أبرزها قضية الصحة، ثم طريقة تعامل المغاربة مع الجوائح والأمراض.
أجبرت جائحة “كورونا” عددا من سكان المعمورة أن يلزموا بيوتهم، كما أوقفت العمل في عدة قطاعات كبرى حتى إشعار آخر. المغرب انصاع، بالطبع، لهذه الحتمية واتخذ عدة إجراءات، اعتبرها البعض استباقية، نظرا لما يقع في دول أوربية متقدمة، فخصص مبالغ طائلة لتخفيف آثار الجائحة المباشرة. وقبل أيام، أصدرت وزارة الداخلية بلاغات، بنبرة حادة، تشدد على استمرار الحجر الصحي إلى غاية 20 أبريل من هذه السنة. وأضافت أنها لن تتوانى مع كل مخالف لأوامرها، ومتوعدة بعقوبات حبسية وغرامات في حق كل من يخرج إلى الشارع دون غرض محدد أو إذن من السلطات المحلية.
هذا الإجراء، الذي يبدو أننا نعيشه لأول مرة في المغرب المعاصر، انعكس على واقع البنية التحتية للمغرب، فقطاع الصحة مثلا أبان عن خصاص كبير، من حيث أطقمه الطبية ومعداته المرتقب أن يواجه بها ارتفاع حالات الإصابة، وهو ما تحاول الحكومة تداركه، حيث وعدت، في بلاغها، بتقوية الطاقة السريرية للإنعاش إلى 3000 سرير بدلا من 1640 المتوفرة حاليا، وذلك خلال الأسابيع المقبلة.
لكن جانبا آخر كشفت عنه جائحة كورنا في المغرب، هو انتشار المعتقدات والخرافات حول علاقة هذا المرض بتفسيرات غير علمية، معظمها ذات مرجعية دينية. دفع ذلك بعضهم للخروج إلى شوارع فاس وطنجة للتكبير والتهليل والصلاة في الأزقة، بعد قرار غلق المساجد، بالإضافة لرفع شعارات تدعو لـ«طرد المرض من المغرب».
في مثل هذه الظروف، درج المغاربة على التصرف بناء على ما يعتقدونه لمواجهة الأمراض والأوبئة، فاختلفت نتائج تصرفهم بين كل فترة. فمثلا، تذكر المصادر التاريخية أن علماء الدين، في سنة 1818، اعترضوا على فرض “الحجر الصحي” بدعوى «مخالفة الإرادة الإلهية»، فانتشر الطاعون بينهم مهلكا عشر سكان الإيالة الشريفة، (انظر ملف عدد «زمان» النسخة الفرنسية لهذا الشهر). كما تضيف المصادر أن المغرب سبق له أن أغلق مساجده في سنة 1056م خوفا من الطاعون والمجاعة. نفس الشيء وقع في ما عرف بالطاعون الأسود الذي ضرب المغرب عام 1348م، حيث أجبر العديد من السكان على الاحتماء في منازلهم خوفا من عدوى الاتصال الخارجي… وبالتالي انعكست كل معتقداتهم تلك على نسبة نموهم الديمغرافي.
الآن، والمغرب يسابق الزمن ويحصي ضحاياه، هل تختلف هذه الجائحة عما اعتاده المغاربة للتصرف معها بشكل عقلاني؟ وهل سنشهد مغربا آخر بعد زوال هذا الكابوس؟