كانت إجبارية “الخدمة العسكرية” حاضرة دائما في تاريخ المغرب، مع اختلاف في المعايير والشروط والسياقات، حسب كل زمن وحسب كل عهد. تفيد الأدبيات التاريخية أن قيام أي دولة اقترن، دائما، بقدرتها على حشد أفرادها جندا ومحاربين، ثم العمل على إخضاع باقي القبائل واستمالة القوية منها عبر إغرائها بالأموال والأرضين لاستخدام أفرادها في حملات الضم والتوسع للسيطرة على البلاد والعباد.
في الملف، الذي تقترحه عليكم “زمان” ضمن هذا العدد، تقرؤون كيف عمدت الدول التي عرفها المغرب في العصر الوسيط إلى جعل الفلاح والحرفي وصاحب القلم والسلطان وغيرهم يتحولون أحيانا إلى جنود ومحاربين زمن الحرب. وغالبا ما كانت تتكرر، في المؤلفات التي أرخت للمرحلة، عبارات «الملك بالجند والجند بالمال»، أو «الملك بناء والجند أساسه، فإذا قوي الأساس دام البناء». وعلى هذا الأساس، قامت دولة المرابطين بعدما تمكنت قبيلة لمتونة الصنهاجية بقوة وشكيمة أفرادها من بسط هيمنتها على المجال وإخضاع قبائله، مثلما قامت دولة الموحدين على سواعد المصموديين وسيوفهم، كما شكل أفراد قبائل بني مرين وبعض القبائل الزناتية والعربية عصب الدولة المرينية خلال عهد التأسيس والبناء. في الملف نفسه، تطلعون على كيف أسس السعديون لقاعدة ضريبية للدولة، أطلقوا عليها “النائبة“، مبررين إياها بأن كل فرد من أفراد الرعية خاضع لواجب “النائبة“، إلا إذا أدى الخدمة العسكرية فتسقط عنه الضريبة أو النائبة. بمعنى أنها إلزام مادي يعوض أو ينوب عن التجنيد، ويقوم مقام الخدمة العسكرية التي يؤديها قسم من الرعية في إطار الجيش أو أي شكل من أشكال الخدمة العسكرية. وهو النهج الذي سار عليه المولى إسماعيل حين فرض “النائبة” على كل من لم يكن جزءا من منظومته العسكرية. إذ كانت سياسة المولى إسماعيل بهذا الخصوص تستند إلى قاعدة بسيطة وبديهية: واجب الدفاع يتحمله كل الناس ولا يتأخر عنه أحد، والدولة لها حق على كل فرد من أفراد الرعية الذين عليهم أن يختاروا بين الخدمة العسكرية أو دفع الضرائب التي تسمح للدولة بتمويل الجيوش وتجهيزها. تقرؤون في الملف، أيضا، كيف كانت إسبانيا تعمل على تجنيد مغاربة لخوض حروب باسمها، ضد الأعداء أو ضد إسبان أنفسهم حين فرقت بينهم الخلافات. كما تقرؤون، كيف جعل الملك الحسن الثاني من التجنيد وسيلة وأسلوبا للحكم.
قراءة ممتعة.