حضرت إجبارية «الخدمة العسكرية» في مغرب العصر الوسيط، كما حضر التطوع بشكل مؤقت أو مستمر. وفيما كان هناك من قبل بشروط، كان هناك من رفض.
لفهم بعض من ملامح السلطة وتدبير القرارين السياسي والعسكري في الدولة المغربية خلال العصر الوسيط بعض الالتباس والغموض، لما قد يعنيه هذا الاستعمال من وجود «نسق عسكري» يشكل كيانا اجتماعيا متفردا بخصائص اجتماعية معينة تميزه عن باقي الأنساق الاجتماعية الأخرى من حيث التشكل والبناء والتنظيم والمهام والسلوك والقيم والتراتبية… والحال، أننا في تاريخ المغرب الوسيط أمام مجتمع لم تستطع الدولة فيه بَعدُ من إخضاع الحرب والظواهر المرافقة لها لعمليات المنع والكبح والتحويل واحتكار العنف بطريقة تدريجية، نظرا لانبثاقها من بيئة قبلية كان فيها معظم الأفراد من الذكور، فيما يبدو، يتقنون حمل السلاح وركوب الخيل منذ الطفولة، وبيئة اجتماعية يتحول فيها الفلاح والحرفي وصاحب القلم والسلطان وغيرهم أحيانا إلى جنود ومحاربين زمن الحرب، كما تمتزج فيه مظاهر «الحياة المدنية» بمظاهر «الحياة العسكرية” في شتى المجالات. أما إجبارية «الخدمة العسكرية»، فحاضرة في تاريخ هذه الدولة مثلما حضر التطوع في الالتحاق بهذه «الخدمة” إما بشكل مؤقت في حالة استنفار أو حرب، أو بشكل مستمر بالنسبة للبعض ممن كانوا ينضمون طواعية إلى سلك الجيش النظامي وتقديم الخدمة العسكرية مقابل أجر أو امتيازات.
دولة الغلبة والحاجة إلى الجند
تكاد أدبيات السياسة، التي ألفت في مغرب العصر الوسيط، تجمع على الأهمية القصوى لركني الجند والمال في بناء الدولة والحفاظ عليها. ففي هذه المؤلفات تتكرر عبارات «الملك بالجند والجند بالمال»، أو «الملك بناء والجند أساسه، فإذا قوي الأساس دام البناء»، لترسخ بديهية جوهرية مفادها أن أساس الدولة وبقاءها مرتبط أشد الارتباط بقوة الجيش أو ضعفه وبعدد الجند قلة أو كثرة. أما مصطلحات «العمارة» و«العدل» وغيرها، فما هي إلا أمور تتعلق بنوع الملك والدولة وليس بأساسه. ومما يثبت أهمية الجيش في تشكل أركان الدولة المغربية خلال العصر الوسيط وبنائها، أنه عادة ما نصادف اهتماما خاصا وملحا لدى القائمين بأمور هذه الدولة، في بدايتها وطيلة مسارها لاتخاذ الأجناد والجيوش وترتيبهم في الديوان، وحرصا شديدا على استكثار الأتباع والحشود في حالات الاستنفار للحرب والقتال.
تتمة الملف تجدونها في العدد 60 من مجلتكم «زمان»