يصنّف الباحث المغربي محمد المسيّح ضمن خانة ”المغضوب عليهم “في الفكر الإسلامي، وذلك لـ”حدة آرائه وجُرأتها “التي خلخلت معتقدات الموروث الديني. لكن المسيّح لا يأبه بالأمر ويعتبر ما يقوله ويكتبه يندرج في إطار البحث العلمي المحض، وليس له علاقة بتهديد أركان الدين الإسلامي أو تقويتها. في هذا الحوار مع مجلة ”زمان “يوضح محمد المسيّح، الذي يعيش مغتربا عن المغرب لأزيد من ثلاثين سنة، مواقفه وأبحاثه التي جلبت عليه وابل الانتقاد حول بدايات القرآن ومخطوطاته بين المشرق والمغرب، وكل ما يتصل بها : من احتواء للأمازيغية، وإشكاليات التنقيط والقراءات وترتيب السور.. هذا بالإضافة لحديثه عن مساره العلمي في أوربا، وعن مواضيع أخرى.
وأنت الآن مغترب عن وطنك منذ عقود طويلة، ما الذي تتذكره عن نشأتك وطفولتك في المغرب؟
ولدت في قرية “أولاد سالم الصفصافة“ بالقرب من مدينة فاس سنة .1966 بعد عام ونيف انتقلت أسرتي لمدينة فاس، لنعيش في بيت جدتي وحفيدها ابن خالي الذي كان يتيم الأم، فأخذته جدتي لتربيته والسهر على تعليمه، فعندما بدأت أعي المحيط الذي أوجد فيه؛ كان المنزل عبارة عن غرف صغيرة مع الجيران، أتذكر مهد أخي الذي يصغرني بسنة، وبجنبنا غرفة جدتي وغرفة أخرى لابن خالي، حينها كان شاباً يافعا يحفظ القرآن عن ظهر قلب، وما تزال عبارة ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ التي كان يرددها عند استظهاره لسورة الرحمن، ترن في أذني إلى الآن.
عندما وصلت السنة الثالثة أو الرابعة من عمري، أخذني أبي لكُتَّاب الحي (مسيد الدَّراس قرب المخفية) عند الشيخ محمد بن أحمد ملولي إدريسي (1992-1920) رحمها لله، كان فقيهًا مبرزاً في رواية ورش عن نافع وقراءة حمزة. حفظت حزب عمَّ الذي يحتوي على 37 سورة صغيرة .وكمعظم أهل فاس كان شيخنا رحمة الله عليه مولعًا بالطرب الأندلسي وفن الملحون، مما أتاح لي العيش في جو روحي عميق، منسوج بخيوط فن السماع والأمداح، ومطرز بتواشيح أندلسية وفن الملحون. ترعرعت في المدينة العتيقة على الأدب والأخلاق وثقافة “الحشومة“، ومتاهات دروب فاس الضيقة تستهويني، وبرودة أزقتها تنعشني .فرغم غربتي الطويلة في المهجر، ما زلت أتذكر روائح أحيائها (العطارين والشماعين والنجارين وغيرها) ...أقف وأغمض عيني عندما أزورها لأسافر بآلة الزمن، حتى أعيش لحظات تلك الطفولة الجميلة.
إذن عايشت ما كانت تحفل به المدينة العلمية من أحداث سياسية، ماذا تتذكر عنها؟
ما أتذكره جيدًا هو الإضرابات المدرسية في بداية سنة ،1984 بسبب تدهور الاقتصاد وارتفاع أسعار المواد الأساسية وانتشار الفساد والمحسوبية ..استمرت الاعتقالات التعسفية لتطال صفوف الطلاب المشتبه في تزعمهم لتلك الإضرابات. لم نكن نعرف الأسباب التي أدت لهذا الوضع، وكل ما نسمعه فقط هو تطبيق سياسة التقويم الهيكلي المفروض من صندوق النقد الدولي.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 93 من مجلتكم «زمان»