بعد خمس سنوات من إصدار مذكراته بين دفتي كتاب، يعود المقاوم محمد بنسعيد آيت إيدر (99) عاما بإصدار جديد يتعلق بمساره وأهم الأحداث التي عاشها، لكن هذه المرة باللغة الفرنسية.
يُعتبر محمد بنسعيد آيت إيدر من القلائل الذين ينتظرهم المتتبعون للشأن السياسي ولتاريخ المغرب، لكي يقرأوا آخر إصداراتهم بل حتى خرجاتهم الإعلامية، فالرجل ذاكرة حية عاش زمنين بالمغرب: زمن الاستعمار وزمن الاستقلال .كما أنه شاهد وفاعل في بعض اللحظات الحساسة التي تحكمت في كواليس المغرب المستقل، والتي ينعتها بالهفوات والفرص الضائعة.
في مذكراته الصادرة مؤخرا، يستحضر آيت إيدر نشأته وذكريات الطفولة في سنوات العشرينات والثلاثينات بمنطقة اشتوكة آيت باها حيث ترعرع .فهناك نشأ على مشاهد مقاومة المغاربة لقوات الجيش الفرنسي في أكادير والمناطق الجنوبية .اندفع آيت إيدر إلى السياسة بعد حدث النكبة الفلسطينية سنة 1948 وانخرط في حزب الاستقلال بفضل القيادي عبد القادر حسن بمراكش.
يتحدث آيت إيدر عن علاقته المبكرة بالمهدي بنبركة وعبد الله إبراهيم، الرجلين اللذين علماه معنى الوطنية والفكر التقدمي. ويحكي أنه انفتح حينها على أهمية الاطلاع على التجارب السابقة من تاريخ المغرب نفسه، كتجربة السلطان الحسن الأول مع تحديث البلاد.
في شق آخر، يحكي آيت إيدر الذي كان عضوا وقياديا بارزا في جيش التحرير المغربي، عن مشاكل جيش التحرير بالدار البيضاء التي جعلته ينسحب منه ويلتحق بالمقاومة بالجنوب، منها أنه في لحظة إدماج المقاومين في الجيش الملكي، كان بعض القادة يمنحون مأذونيات إلى أناس لا يستحقونها، بل ويسطون على ممتلكات الغير، لا سيما خونة ما قبل الاستقلال. يتحدث بنسعيد أنه التحق بالجنوب، وهناك شارك مع جيش التحرير في أبرز محطات المغرب المستقل، أبرزها مواصلة الكفاح المسلح بالجنوب، والتي كانت في نظره فرصة ضائعة لم تستغلها الدولة لاسترجاع باقي الأقاليم الجنوبية.
من هفوات المغرب المستقل، حسب بنسعيد، مشاركة حزب الاستقلال والرفاق التقدميين في تشكيل حكومة البكاي الأولى، لا سيما مع استمرار وجود العناصر الفرنسية بها. كما أن القصر في تلك الفترة «تجنب إنشاء مؤسسات ديمقراطية واكتفى بتعيين مجلس استشاري، بل أعطى الأولوية في بناء أجهزة الدولة (من إدارة وبوليس وجيش)، دون أن يكون لقادة الحركة الوطنية دور في ذلك».
يتحسر آيت إيدر كذلك على عدم اتفاق حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال، وعدم الحد من خلافاتهما التي نتجت عنها صراعات وانقسامات، «وربما كانت ستكون للمغرب مكاسب أخرى خلال محادثات إيكس ليبان، لو اتفقا»، ويحمّلهما وزر الأوضاع السياسية المتردية للبلاد. يضيف آيت إيدر أن «تحالف الحزبين» كان من الممكن أن يلجم طموحات ولي العهد آنذاك ويحد من تأثيره على قرارات والده .يعدّد بنسعيد في مذكراته العديد من الهفوات ويعتبر آثارها ظلت عالقة لعقود لاحقة، لذا تبقى كتابات هذا المقاوم الشاهد على تاريخ الزمن الراهن جديرة بالقراءة والتمعن، وبكل اللغات.