يعتبر الأستاذ والفقيه مصطفى بن حمزة أحد الشخصيات الدينية الغنية عن التعريف بالمغرب، بسبب حضوره الدائم في واجهة النقاش حول مواضيع ذات راهنية وجدلية في الساحتين الدينية والفكرية . في هذا الحوار المستفيض، يكشف الأستاذ بن حمزة عن جوانب من مسيرته العلمية وعن قضايا مغربية وإسلامية أسهم فيها في زمن الملكين الحسن الثاني ومحمد السادس .كما يتحدث عن قضايا شائكة ويغوص فيها بكل جرأة، كقضية الخصوصية المغربية والمذهب المالكي، وكذلك الإرث التاريخي الحضاري والأمازيغي وعلاقة كل ذلك بالتشريع المغربي.. فضلا عن مسائل دينية ومجتمعية ما تزال معلقة.
في بعض محاضراتك تتحدث كثيرا عن الشخصية والهوية المغربية في إطار ديني ومجتمعي.. في نظرك ما معنى أن تكون مغربيا؟
غدت قضية تفرد المغرب بهوية خاصة مثار نقاش، كثيرا ما يطرح على صفحات المكتوبات المتعجلة. وكما يوجد من الباحثين من يتحدث بكل ثقة واطمئنان عن وجود هوية مغربية مستقرة، وعن وجود نموذج مغربي في التدين بصفة أخص، فإنه يوجد من يرفض الإقرار بالفرادة المغربية على مستوى الهوية عموما، وعلى مستوى التدين خصوصا. الهوية بالنسبة للأمة هي منظومة تشكلها مكونات يأتلف منها ما أصبح يحظى باهتمام متزايد، وهو الرأسمال غير المادي، وهو في تقرير البنك الدولي لعام 2005 المعنون بـ«أين تكمن ثروة الأمم: قياس رأس المال في القرن الحادي والعشرين» .وفي التقرير الذي أنجزه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب عن الثروة الإجمالية للمغرب بين 1999 و2013، تشكله مكونات منها مكون الشعور الوطني والتعلق بالوحدة والسلامة الوطنية والرأسمال الثقافي والتاريخي والروحي والخصوصية المؤسساتية والاستقرار السياسي والأمن؛ وهذه عناصر لا تلتبس بغيرها، وإن ظن البعض استواءها بين الثقافات إذا تحدث بذلك عديمو الملاحظة ومن تختلط لديه الأشياء.
كيف ترسخ إذن هذا النموذج التديني المغربي الفريد كما تقول في الحياة المجتمعية؟
بخصوص استقلال النموذج التديني المغربي وتوغله في الكثير من مظاهر الحياة، فإنه تتعين الإشارة إلى الصفاء العقدي الذي تميز به المغرب، وهذه خصيصة أورثت المغرب صفاء وأمنا وسلما اجتماعيا قد لا يقدره من لم يعرف ماضي المغرب وخطواته القوية التي خطاها من أجل تصفية الأجواء. فلقد كان المغرب منطقة نائية عن متناول السلطة المركزية بالمشرق، وكان هذا الوضع السياسي يغري الطوائف والفرق بالاختباء في المغرب، وبالعمل على تقوية وجودها، وقد تعايشت وتصارعت على أرضه فرق عقدية متعددة، فتصارع المذهب الخارجي بفرعيه الصفري والإباضي، وتمكن كل منهما من بناء كيان سياسي مستقل، فأسس المذهب الصفري دولة بني مدرار، وأنشأ الإباضيون الدولة الرستمية، ثم إن هذه الفرق أدخلت المغرب في مرحلة من الصراع يقول عنها عبد الله گنون في النبوغ المغربي: إن «جناية الخوارج على المغرب لا تعادلها جناية، فإنها تسببت في انقسامه على نفسه، وتسليط بعضه على بعض، مما أدى إلى بقائه زهاء ثلاثة قرون طعمة لنيران الحروب وميدانا لتجريب الحظوظ».
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 102 من مجلتكم «زمان»