انتهت الحرب العالمية الثانية بفوز قوات الحلفاء التي تشكلت ضد دول المحور. غير أن الاحتفال بدحر “العدو المشترك “المتجسد،خصوصا، في الفوهرر النازي لم يدم طويلا، إذ سرعان ما خيم الشك وعدم اليقين على رفاق الأمس في حمل السلاح. في غضون ذلك، أي في الوقت الذي لم تخمد فيه النيران المنبعثة من الأنقاض بعد، وما يزال دخانها يغطي سماوات أوربا، اندلعت حرب أخرى لم تُحمَل فيها أسلحة، بقدر ما روجت لأفكار وإيديولوجيات متناقضة، مُقسِمة العالم إلى قطبين : أحدهما تقوده الولايات المتحدة، والثاني تحكَّم فيه الاتحاد السوفياتي. تسابق الطرفان في سياسة الاستقطاب والاحتواء، وشكلت عواصم العالم مسرحا لذلك السباق. لم يسلم المغرب، بموقعه الجغرافي ونظامه السياسي، من أتون تلك ”الحرب الباردة”، التي كانت تدور رحاها في الكواليس، وأحيانا كانت بعض شظاياها تخرج إلى العلن. غير أن الرباط، وإن لم تخف اصطفافها إلى المعسكر الغربي، سعت دائما إلى إمساك العصا من الوسط للحفاظ على شعرة معاوية مع حلف وارسو .يعود بكم هذا الملف، الذي تقترحه عليكم ”زمان”، إلى وضع المملكة في تلك الحرب كطرف وشاهد في الوقت نفسه.
في مارس من سنة 1995، على هامش زيارة رسمية أجراها الملك الحسن الثاني إلى الولايات المتحدة في أول لقاء له بالرئيس الأمريكي بيل كلنتون وتم تتويجه بدكتوراه فخرية من جامعة جورج تاون، اختار الملك أن يلقي خطابا عبارة عن محاضرة باللغة الإنجليزية، في المدرج الكبير للجامعة “Auditorium” عرض فيه لما عانته البشرية جرّاء الحرب الباردة، وختم بالقول بالجملة المأثورة: أبدا، مرة ثانية…
لم يكن اختيار الملك الحسن الثاني أن يلقي محاضرته عن الحرب الباردة أمرا اعتباطيا. كان يدرك السياق الذي كانت تموج فيه الولايات المتحدة، وما يخامرها حينها من ازدهاء ناجم عن الإحساس بسمو مبادئها، وغلبة رؤاها السياسية والاقتصادية. كان الملك الحسن الثاني قد أخضع البلد للحِميْة الجديدة الداعية للدمقرطة وحقوق الإنسان، في المجال السياسي، وأخذ بالوصفات الليبرالية في الميدان الاقتصادي، وأجرى الخيار الصائب، في أول اختبار لعالم ما بعد الحرب الباردة حينما غزت جحافل صدّام الكويت، وندد المغرب بالغزو، وبعث بقوات لحماية المملكة السعودية، ولو لم يكن عضوا في التحالف الدولي.
هيئة التحرير
تتمة المقال تجدونها في العدد 102 من مجلتكم «زمان»