نهاية الوجود الإسلامي بالأندلس، إذ توالى سقوط مجموعة من الحصون والقلاع والمدن تباعا.
تجمع المصادر الوسيطية على أن معركة «العقاب» كانت بمثابة بداية نهاية الوجود الإسلامي بالأندلس، فقد عبر عنها ابن عذاري بـ«الوقعة الشنيعة»، في حين وصفها ابن أبي زرع بـ«الكائنة المهمة والرزية العظيمة»، أما ابن خلدون فرغم أنه تجنب الحديث بشكل مفصل عن هذه الواقعة، إلا أنه لم يخف مدى تأثيرها على الجانب الإسلامي، فتحدث في هذا الصدد بما يلي: «فكانت الدبرة على المسلمين، وانكشفوا في يوم بلاء وتمحيص أواخر صفر سنة تسع وستمائة»، أما الحميري، فقد جاء في معرض حديثه عن موضع «العقاب»: «كانت في هذا الموضع وقيعة عظيمة وهزيمة على المسلمين شنيعة». وذكر صاحب «الحلل الموشية» أنه «في صفر سنة تسع وستمائة، كانت عليه وعلى المسلمين الهزيمة العظمى، التي فني فيها أهل المغرب والأندلس، الشهيرة بكائنة العقاب».
يبدو أن هذا الشعور بخطورة هذه الهزيمة على الجانب الإسلامي لا تعكسه فقط كتابات الإخباريين، ولكن تم التعبير عنه بشكل ضمني كذلك من طرف الجهاز الرسمي الموحدي من خلال رسالة اعتذار للخليفة «الناصر» في أواخر صفر من سنة 609هـ/ يوليوز 1212م، والتي يمكن أن نستخرج منها بعض العبارات التي يظهر من خلالها مدى وقع الهزيمة وتأثيرها على الموحدين، فقد «كانت عاقبة اليوم على الخصوص لأهل الصلبان، والعاقبة المطلقة هي لأهل الإسلام»، وجاء ضمنها كذلك «وهي الحروب قضى لله أن تكون سجالا، وأن يجعل لله فيها لكل قوم مجالا…». غير أن وصف صاحب «الحلل الموشية» كان أكثر مأساوية عندما ربط بين نتائج المعركة ووفاة الخليفة الموحدي الناصر في سياق يعكس مدى حجم الهزيمة ووقعها، ففي «إثرها عاد قافلا إلى حضرة مراكش، واغتم من أجلها غما كبيرا، كان السبب في وفاته بمراكش في شعبان سنة عشر وستمائة…».
أما عن دوافع وأسباب قيام وقعة العقاب فقد عبر صاحب «الروض المعطار»، بشكل صريح عن أسباب قيامها، قائلا «وكان الملك الناصر أعجب بفتح شلبطرة، وكتب بذلك إلى الآفاق، وخفي عليه ما في طي الغيوب من خبر العقاب، (…) ثم استغاث الأذفونش بأهل ملته…»، كما ذكر في موضع آخر في مؤلفه أثناء حديثه عن أذفونش، (ألفونسو الثامن ملك قشتالة)، إثر معركة شلبطرة «وحثهم على حماية دينهم ونصرة ملتهم، فاستجابوا له وجاؤوه من كل جهة وانثالوا عليه، فكان من وقيعة العقاب على الملك الناصر في عام تسعة وستمائة…».
أجمعت المصادر نسبيا على أن معركة «العقاب» كانت بمثابة رد فعل من طرف النصارى نتيجة هزيمتهم في معركة شلبطرة، كما لم يقع خلاف على حصيلتها، فقد أكدت المصادر، بتعميم وتضخيم لفظيين، على العدد الكبير من قتلى المسلمين «قتل منهم خلق كثير لا يحصر، وفيها فني جيوش المغرب والأندلس» بتعبير صاحب «الذخيرة السنية». وفقد الموحدون مجموعة من المناطق التي كانت خاضعة لنفوذهم، وتوقفت عمليات العبور الموحدية من المغرب إلى الأندلس.
محمد العمراني
تتمة المقال تجدونها في العدد 4 من مجلتكم «زمان»