بقدر ما شكلت المنطقة الممتدة بين فاس وتازة نقطة صدامية مشحونة بمنطلقات الرفض لكل راغب في ممارسة الإكراهات، وفرت ملاذا حاميا كثيرا ما يغيث ونادرا ما يغاث.
عرفت هذه المنطقة، منذ وقت مبكر، استنبات عناصر خاصية ظهرت بها منذ الفترة السابقة للإسلام، ولازمتها خلال العهود اللاحقة، تمثلت في كونها ممرا للحملات الغازية والهجرات المختلفة، الوافدة من الشرق. والتي استعملت حوض إيناون للعبور أو الاستقرار، طاردة عنه سكانه السابقين، أو مجبرة إياهم على الاندماج مع الوافدين الجدد. إذ اتسم إسلام سكان هذه المنطقة بنفحة معارضة مستمدة من المذهب الخارجي الذي وجد له تجاوبا تلقائيا، نتيجة الاستبداد المضاعف للولاة العرب باعتبار المنطقة مجال عبور في الذهاب والإياب، تمنح بنيته التضاريسية إمكانية للتحصن والمقاومة. هكذا تبدو المنطقة بالرغم من قربها من قاعدة السلطة (فاس) كمنطقة هامشية، لا تلبث أن تتحول إلى مرتكز لانطلاق الرفض والمطالبة بالسلطة عندما تضمر الأسرة الحاكمة بفاس. إذ كانت نقطة الانطلاق للانتفاض على السلطة القائمة، من الناصر السعدي إلى الجيلالي الزرهوني (بوحمارة) مرورا بالرشيد العلوي وبوعزة الهبري. لذلك فاحتضانها، عبر التاريخ، لمختلف حركات الرفض والمقاومة، ناتج عن ثقافة ترسخت لدى قبائل المنطقة منذ القدم، وصقلتها تقلبات الدهر ونكبات الزمن، أساسها رفض الجور والظلم، والاستعداد لمقاومة الإكراه والإخضاع. وهي الثقافة نفسها التي دفعت ليوطي إلى مراجعة حساباته وعلمته أن أسلوب «التهدئة» الذي طالما افتخر به، والقائم أساسا على زرع الشقاق بين القبائل، لا يجدي نفعا في هذه البيئة الحاضنة للمقاومة، التي اشتهرت في كتابات وتقارير الضباط العسكريين الفرنسيين بـ«بقعة تازة».
الطيب بياض
تتمة المقال تجدونها في العدد 8 من مجلتكم «زمان»
السلام عليكم الرجاء منكم اثراء المحتوى