لم يهتم المغاربة كثيرا بالبحث في مفهوم الحرية، بل اجتهدوا كثيرا في المطالبة بها، ابتداء من مشروع دستور 1980الذي طالب بهوامش للحرية، ولم يفتأ المغاربة يرددون كلمة حرية في معنى واحد، أي الاستقلال عن الاستعمار.
لعل للعبارة، التي كانت تتردد خلال انتفاضات المغاربة ضد المحتل الفرنسي، دلالة عميقة في هذا الباب، إذ لم تكن تذكر كلمة استقلال إلا مسبوقة بكلمة حرية: “الحرية والاستقلال“. ولقد برز هذا المفهوم في نص وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، حيث أنه أخذ مكانة مهمة في ديباجة الحيثيات لكنه سوف يختفي في نص المطالبات. وقد ظهر ذلك على الشكل الآتي: أولا، حيث أن الدولة المغربية تمتعت دائما بحريتها وسيادتها الوطنية. ثانيا، وحيث أن هذا النظام حاول بشتى الوسائل تحطيم الوحدة المغربية، ومنع المغاربة من المشاركة الفعلية في تسيير شؤون بلادهم، ومنعهم من كل حرية خاصة أو عامة. ثالثا، وحيث أن الحلفاء الذين يريقون دماءهم في سبيل الحرية اعترفوا في وثيقة الأطلنتي بحق الشعوب في حكم نفسها بنفسها. رابعا، وحيث أن الأمة المغربية (…) تقدر حق قدرها الحريات الديمقراطية التي يوافق جوهرها مبادئ ديننا الحنيف.
يظهر، من خلال استعمال مفهوم الحرية، أن محرري الوثيقة كانوا يعتبرون أنه خاص بالحلفاء وبفرنسا، إذ أنه في النقطة الرابعة والأخيرة من المطالبات يلتمس من جلالة الملك «إحداث نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلدان العربية الإسلامية في الشرق». ويتحدث عن الحقوق والواجبات دون ذكر كلمة الحرية .ربما كان يدور في خلد الموقعين أن الحرية لا تتعلق إلا بالانعتاق من الاستعمار. وأغلب الظن هو كذلك.
لذا وحتى عندما استقر المغرب على نظام سياسي معين، لم يكن مفهوم الحرية بما هو كذلك موضع سؤال وتفكير، بل أصبح الحديث عن الحريات مع ما يقتضي ذلك من وضع للحدود التي تتجنب الحديث عن المقدسات ووضعها موضع تساؤل؛ فكان الحديث مثلا عن حرية التعبير وحرية التنقل… دون وضع الحرية في إطار تحول الإنسان من خاضع لعدد من السلط الدينية والسياسية والقبلية إلى فرد مستقل بنفسه، أي بناء على الفلسفة التي أسست لما يسمى اليوم بحقوق الإنسان.
موليم العروسي
تتمة المقال تجدونها في العدد 116 من مجلتكم «زمان»