ماذا يعرف الجيل الحالي عن علال الفاسي، أو الزعيم، كما كان يلقب؟ لن نجازف بالإجابة، ولكن الأمم تستعيد نفَسَها، باستحضار تاريخها، والوقوف على أبنائها البررة، من سقوها بدمائهم، ومن أغنوها بعطائهم، ومن ذادوا عنها بالقلم والالتزام… يحيون من جديد، من خلال عملية التذكر. ومن هؤلاء سِّي علال الذي هو، بلا مراء، أجلُّ من أن يُختزل في تنظيم سياسي، وهو حزب الاستقلال، أو حتى في رقعة بلد، وهو المغرب، لأنه مداه يتجاوز ذلك بكثير. وهو من هؤلاء الذين ينعتون بالماهدين في دائرة الحضارة الإسلامية…
كان الرجل متعدد الاهتمامات، رجل التزام سياسي، وهو من مؤسسي حزب الاستقلال، وأدى من أجل ذلك ثمنا غاليا، إذ نُفي لسنوات تسع في الغابون في ظروف قاهرة، ولأيٍّ أن يتصور ذلك، من غير وسائل اتصال، في الحرارة الاستوائية. وعاش بالمنفى في القاهرة، ولم تكن ظروف العيش بالرغدة ولا حتى السياسية بعد ثورة الضباط الأحرار في مصر…
وكان مفكرا متفردا. ويُعد كتابه “النقد الذاتي”، من أهم ما أنتجه النبوغ المغربي، أو العبقرية المغربية. وهو من بعث المدرسة المقاصدية التي برزت في الأندلس مع الشاطبي، وأعطاها دفقا جديدا. وهو من آمن بمصالحة بين السُّنة والشيعة، من أجل كتلة حضارية موحدة… وهو أحد الأقطاب المدافعين عن القضية الفلسطينية، حتى عده الفلسطينيون واحدا منهم، يشركونه حتى أسرارهم التنظيمية والحربية…
نادى، سياسيا، على مستوى المغرب، في ظل الاستقلال، بنظام عصري، يقوم على دستور، ونادى بالعدالة الاجتماعية، أو التعادلية، وكان من أهم من جعل وكْده الوحدة الترابية، وكلفه ذلك غاليا، حين اعترض على ترسيم مُبتسر للحدود في مارس …1972 ولكن مداه أوسع من أن يُختصر في بلده… ولنا أن نتساءل، ماذا كان يمكن لمسار علال الفاسي أن يكون لو لم تخترمه الموت في ماي من سنة 1974؟ ماذا لو صادفته الثورة الإيرانية، وموجة “الصحوة الإسلامية”، التي كان ممن كانوا ينفثون في جذوتها… نعم، إن هذا السؤال مما ليس خليقا للمؤرخ أن يطرحه. هذا الملف لا يحيط بالأوجه السياسية والفكرية والإبداعية والسياسية لعلال الفاسي.. لا نزعم ذلك. ولكننا بإفرادنا ملفا، نتذكر رجلا فذا، من أبناء المغرب البررة الذين يحق للمغرب والمغاربة أن يفخروا به، هو أحد أوجه “الشخصية المغربية”، كما كان يحب أن ينعت العبقرية المغربية، في نصاعتها وعطائها وتميزها.
والأمم التي ليس لها ذاكرة ليس لها مستقبل…
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 127 من مجلتكم «زمان»