في الشهر المنصرم، رحل أحد أهم السياسيين في تاريخ المغرب ودفنت معه أسرار السياسة والحكم، وهو عبد الرحمان اليوسفي. الرجل يعد آخر المؤسسين للحركة الاتحادية التي خاضت مسارات عسيرة، منذ خمسينات القرن الماضي. وظل حزبهم “الاتحاد الوطني/الاشتراكي” رقما صعبا في المعادلة السياسية بالمغرب، وما تزال إلى اليوم أسراره مضمرة. “زمان” تعود إلى مسار هذا الحزب من خلال الوقوف على أهم تحولاته التي تسببت في تصدعه وانشقاقاته. فبعيدا عن التأثيرات الخارجية، فإن تحركات قادته اعترتها صراعات عند كل انطلاقة وظهور، أو بعبارة دارجة: “من الخيمة خرج مايل”.
لم يعد مسار حزب الاتحاد (الوطني والاشتراكي) خفيا على أحد من الفاعلين والمتتبعين بخصوص أبرز محطاته أو مشاكله التي عصفت به. لكن ما يدفع المرء للحديث مرة تلو الأخرى، في فترات متباعدة، عن مسار أهم حزب سياسي طبع تاريخ المغرب، هو اتساع الفجوة الزمنية وانتقال رموزه إلى جوار ربهم (كاليوسفي)، فضلا عن صدور مذكرات الفاعلين السياسيين في السنوات الأخيرة. ولهذا، يتطلب الأمر إعادة كتابة التاريخ السياسي بالمغرب بين الفترة والحين. باشر قادة الحركة الوطنية (علال الفاسي، المهدي بنبركة، عبد الرحيم بوعبيد، اليوسفي، أحمد بلافريج، عبد لله إبراهيم، الفقيه البصري، المحجوب بن الصديق..) عملهم السياسي بين صفوف حزب الاستقلال والمقاومة والعمل النقابي، قبل أن يختلفوا وينفصلوا عن بعضهم. وما تزال أسباب تلك الانشقاقات تتأرجح ما بين: “حتمية” الانشقاقات، هيمنة النقابي، اختلاف الأجيال، مرحلة ما قبل الاستقلال وما بعده، مؤامرات النظام، الانفراد بالسلطة، صراعات شخصية، الإيديولوجيا… أو ربما كلها مجتمعة. لا تعتبر المراحل التي مر بها قادة “الاتحاد” استثناء يشذ عن قاعدة الانشقاقات في العمل السياسي، لا سيما في مرحلتين تختلفان من حيث الشكل والمضمون، وهي مرحلة ما قبل الاستقلال وما بعده. لكن من غير الطبيعي في كل تنظيم لحظة تأسيسه أن يضم بين ثناياه أقطابا “غير متفقة”، تجعل كل انطلاقة له متضعضعة وتصلح للمثل المغربي: «قالو باك طاح، قالو من الخيمة خرج مايل».
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 81 من مجلتكم «زمان»