دخلت أوربا الغربية بعد العصر الوسيط في مسار تقدمي منذ عصر النهضة وإلى غاية بسط سيادتها على العالم. في نفس الوقت، اتجهت الأوضاع في المغرب نحو تراجعه الحضاري.
لا تدل سنة 1415 على شيء ذي بال في ذاكرة المغاربة، مع أنها من وجهة نظر معينة، كانت منعطفا أساسيا في تاريخهم. في هذه السنة احتلت مدينة سبتة، ولهذا الحدث معنى مهم في مسار التأخر التاريخي للمغرب عن أوربا الغربية. لا شك أن ذلك كان نتيجة سيرورة، ولم يطرأ فجأة مع احتلال سبتة، لكن هذا الحدث يمثل «بداية المنعطف». يعتقد عبد المجيد القدوري، في مؤلفه «المغرب وأوربا ما بين القرن 15 و18 (مسألة التجاوز)»، أن «المستوى الاقتصادي والاجتماعي الذي عاشه المغرب إلى حدود القرن السادس عشر لا يختلف كثيرا عما كانت تعيشه بلدان أوربا، ورغم ذلك أصبح التجاوز الأوربي للمغرب واقعا معيشا وديناميكية مستمرة، ويمكن اعتبار احتلال سبتة سنة 1415 بداية المنعطف، فقد دشن مرحلة المد والاندفاع الأوربي والانكماش والتراجع المغربي. فبقدر ما ازدادت أوربا يقينا بتفوقها، ووعت حيويتها».
انقلب مسار التوسع منذ تلك اللحظة، فبعد أن كان المغرب «إمبراطورية» توسعت على الضفة الجنوبية لشبه الجزيرة الإيبيرية، أضحت ثغوره البحرية مجالا للتوسع الأوربي، بين مد وجزر، إلى أن حلت بالبلاد الهزيمة الكبرى بخضوع كافة ترابها للحماية الفرنسية والإسبانية مطلع القرن العشرين.
أمواج النهضة الأوربية
ارتبط احتلال سبتة ببداية الاكتشافات الجغرافية الكبرى، وهي حدث رئيس في تفوق الأوربيين التجاري، وما تلاه من تراكم الثروة، وإبداع معاملات مالية جديدة، ثم الثورة الصناعية، وسيادة الرأسمالية الأوربية. في المقابل، أسهم هذا الاحتلال الإيبيري في خنق الاقتصاد المغربي، و«زاد في إبعاد المغاربة عن السواحل التي أصبحت ملطخة بالوجود النصراني، لذا وجب تطهيرها. (…) لقد تسبب الاحتلال الإيبيري للثغور في هجرة المغاربة للسواحل. وهكذا، وفي الوقت الذي سعت فيه أوربا إلى السيطرة على الطرق البحرية من أجل السيطرة على التجارة العالمية، عزف المغاربة عن أمور البحر واتجهوا صوب الداخل، إذ كانت سبتة وسلا من أهم الموانئ المغربية خلال هذه الفترة»، كما يشرح القدوري، محيلا على المولى عبد الحفيظ الذي أشار في كتابه «داء العطب قديم»، إلى «ما كان عليه حال الدول قبلنا بهذه الأقطار المغربية بمد يد المساعدة للدول الأجنبية، وإهمال لأمور البحرية التي كان إهمالها سبب كل بلية».
إسماعيل بلاوعلي
تتمة المقال تجدونها في العدد 19 من مجلتكم «زمان»