حاولت مذكرة تقديم مشروع قانون رقم 21-13 المتعلق بالإستعمالات المشروعة للقنب الهندي، تقديم عددٍ من أسباب ودوافع وزارة الداخلية، صاحبة المبادرة، لإعداد هذا المشروع الذي يلغي عدداً من المقتضيات القانونية المتعلقة بتجريم جميع أنواع وإستخدامات القنب الهندي ببلادنا، والتي لا تفرق -إلى حدود اليوم- بين “إستعمال مشروع” طبي أو تجميلي، و”إستعمال غير مشروع” كمخدر.
إن مشروع “القنب الهندي المشروع” كما سمته مذكرة التقديم، في صيغتها المتداولة، حال المصادقة عليه وتبنيه من قبل البرلمان المغربي، سيحدث تغييرا جذريا في بنية القوانين المؤطرة لطريقة تعامل الدولة والقانون مع نبتة الكيف أو القنب الهندي، وأساسا ظهير 24 أبريل 1954، الذي يجرم جميع إستعمالات القنب الهندي، ويحدد عقوبات زجرية لكل إستعمال له سواء كان حيازة أو تجارة أو بيعا أو شراء أو تصديرا، والفصل الثاني منه – على سبيل المثال – ينص صراحة على أنه “يعاقب بالحبس من خمس إلى عشر سنوات وبغرامة يتراوح قدرها بين 5.000 و 500.000 درهم كل من استورد أو أنتج أو صنع أو نقل أو صدر أو أمسك بصفة غير مشروعة المواد أو النباتات المعتبرة مخدرات”.
– فما الذي تغير ليصبح المجرم مشروعا؟ ما الذي تغير ليميز المشرع بين قنب هندي مشروع وآخر غير مشروع؟
من بين الإعتبارات التي قدمتها وزارة الداخلية كمبرر لإعداد هذا المشروع في مذكرتها التقديمية، هو كون هذا الأخير يندرج ” في إطار مسايرة التدرج الذي عرفه القانون الدولي من منع إستعمال نبتة القنب الهندي إلى الترخيص بإستعمالها لأغراض طبية وصناعية”، وتفعيلا “للتوصيات الجديدة التي قدمتها منظمة الصحة العالمية بشأن إعادة تصنيف هذه النبتة، وذلك بالشكل الذي يتلاءم مع المستجدات العلمية التي أظهرت أنها تتوفر على مزايا طبية وعلاجية، علاوة على الإستعمالات المختلفة المرتبطة بميادين التجميل والصناعة والفلاحة”، وهو ما جعل الوزارة تعتبر أن الأمر بمثابة “توجه عالمي” وأن المغرب مطالب بمسايرة هذا التوجه، خاصة أن اللجنة الوطنية للمخدرات المنعقدة في 11 فبراير 2020، إعتمدت توصيات المنظمة الصحة العالمية، لاسيما تلك المتعلقة بإزالة القنب الهندي من الجدول الرابع للمواد المخدرة ذات الخصائص الشديدة الخطورة والتي ليست لها قيمة علاجية كبيرة.
وإعتباراً لما أثارهُ وسيثيره هذا المشروع من أسئلة وإشكاليات، خاصة في نهاية هذه الولاية الحكومية، أود تسجيل بعض الملاحظات الأولية بخصوصه.
بداية فهذا المشروع، في تقديري، يحتاج لنقاش مجتمعي حقيقي، يشارك فيه الجميع لتقييم آثاره على المجتمع والدولة على حد سواء، وربما التوقيت الذي يرادُ فيه تمرير هذا المشروع، غير مناسب تماماً، ومن المهم التريث والتدقيق والنقاش والإصغاء لجميع الأطراف، حتى تتبين الأمور بشكل جلي وواضح. وبما أن وزارة الداخلية في تقديمها قد تحدثت عن دراسات أُنجزت حول جدوى تطوير القنب الهندي وطنيا لأغراض طبية وتجميلية وصناعية، فهي مطالبة بنشر هذه الدراسات لتكون أساسا للنقاش وتبادل وجهات النظر، بين مختلف المهتمين والخبراء والسياسين وفعاليات المجتمع المدني والمنتخبين، خاصة وأن هذه الدراسات خلصت لعدد من الإستنتاجات التي تم ذكرها في نص مذكرة التقديم، ومنها التأكيد “أن تطوير الزراعات المشروعة للقنب الهندي كفيل بتحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات، وسيحد لا محالة من الإنعكاسات السلبية التي تفرزها انتشار الزراعات غير المشروعة على الصحة والبيئة”، وهو إستنتاج -من بين إستنتجات أخرى- يحتاج لتأسيس وتقعيد، لأن القراءة الأولية لنص المشروع تبين أن المزارع سيكون تحت رحمة التعاونيات التي ستنشأ لغرض شراء المحصول منه، وتحت رحمة الشركات التصنيع والتصدير التي ستنشأ للإستثمار في هذا المنتوج.
هذا بالإضافة إلى أن مشروع القانون، فتح مجالا كبيرا للسلطة التنفيذية للتحكم في مخرجاته ومضامينه، بحيث أحيلت عدد من المقتضيات للفصل فيها وتحديدها بمراسيم ونصوص تنظيمية، فرخصة زراعة وإنتاج القنب الهندي لن تمنح إلا في المجالات التابعة لنفوذ الأقاليم المحددة قائمتها بمرسوم (المادة4)، وعقود البيع بين المزارعين والتعاونيات ستحدد نماذجها وكذا محضري التسليم والإتلاف بنص تنظيمي (المادة10)، ومنع إنتاج مواد تحتوي على نسبة معينة من مادة رباعي هيدرو كانابيول ستحدد بنص تنظيمي (المادة 17)، كما أن تكوين مجلس إدارة وكالة التقنين والأعضاء المشكلين له ستحدد بنص تنظيمي (المادة 35)، ونماذج سجلات هذه الوكالة وكيفية مسكها ستحدد بنص تنظيمي (المادة 45)، إذن فالبرلمان في العمق لن يحدد مرتكزات هذا القانون إلا من خلال إطاره العام، أما تفاصيل التقنين ستحسمه الحكومة عبر نصوص تنظيمية.
من خلال قراءة هذا المشروع يتضح أن المشتغلين عليه، لايملكون رؤية واضحة حول الغاية من التقنين والأهداف المرجوة وكيفية الوصول إليها، وهو ما يستدعي التريث وفتح نقاش عمومي بين المختصين، خاصة وأن بلادنا وهي تجرم القنب الهندي لم تستطع التحكم في مسارات زراعة وتهريب هذه النبتة، فهل ستستطيع فعل ذلك إذا فتحت باب زراعته بشكل مشروع وقانوني؟ ماهي الوسائل القانونية واللوجستيكية التي يمكن إعتمادها لضبط الكميات المشروعة؟ إذا كان نص المشروع ينص على أنه “لا تمنح رخصة زراعة وإنتاج القنب الهندي إلا في حدود الكميات الضرورية لتلبية حاجيات أنشطة إنتاج مواد لأغراض طبية وصيدلية وصناعية” فكيف يمكن التراجع عن رخصة ممنوحة إذا كان الإنتاج يفوق حاجيات الأنشطة المشروعة.
إنها أسئلة لا يملك نص المشروع أجوبة بشأنها، لذا من الواجب والأحوط التأني والتريث.
إن الحلقة الأضعف، سواءٌ في تقنين أو تجريم القنب الهندي، هو المزارع والفلاح البسيط، الذي يعيش اليوم تحت واقع الخوف من الإعتقال والمتابعات والشكايات الكيدية وإستغلال شبكات التهريب، وسيعيش غدا إذا تم إقرار هذا القانون تحت رحمة التعاونيات والشركات التي سيرخص لها بشراء المحصول من هذا الفلاح.
المزارع البسيط، سيبقى الحلقة الأضعف في المعادلة، تقنينا أو تجريماً، وهذه هي الحقيقة الوحيدة الواضحة في هذا المشروع.
نبيل الأندلوسي
برلماني وفاعل مدني بإقليم الحسيمة