استأثر باهتمامي حديث للباحث في العلوم السياسية السيد عبد الحميد بنخطاب في برنامج تلفزيوني، عن مفهوم جديد للوطنية المغربية، غير الذي انتظم في ثلاثينات القرن الماضي، والذي كان منطلقا للحركة الوطنية. الأستاذ بنخطاب باحث مشهود له بالرصانة والعمق، وسَعة المعرفة في ميدان تخصصه، وليس ممن يلقون القول على عواهنه، ولذلك يستحق اجتهاده الاهتمام.
والوطنية هي ولاء للوطن، قيمه وتاريخه، ودفاع عن مصالحه الاستراتيجية، ولكنها عقد تتجدد مقتضياته مع كل جيل، والتطورات التي تعتور مجتمعا ما .الإطار الذي انتظمت فيه الوطنية المغربية، في ثلاثينات القرن الماضي، لم يعد قائما، وكان يتحدد في مواجهة الآخر الذي كان حينها هو المستعمر. التطورات التي عرفها المغرب، منذ أكثر من ستين سنة، أولا من خلال مسلسل استكمال وحدته الترابية، ثم من خلال الاعتراف بالبعد الأمازيغي، والإقرار بالشخصية المغربية، والروافد التي تسندها، فضلا عن الأخطار المحدقة به، داخليا وخارجيا، تفترض صياغة مفهوم جديد للوطنية.
ويبدو المفهوم الجديد، الذي طرحه السيد بنخطاب، يتجاوز إطار “تمغربيت“ الذي هو مفهوم مجتمعي، أو طريقة عيش.
ينبغي القول، من خلال رصد ما يعتمل في العالم، أن اتجاهات عدة في العالم، بما فيها الغرب، تسعى أن تصوغ مفاهيم جديدة للوطنية أمام ما فرضته العولمة من تحلل اللحمة الوطنية، مجتمعيا وثقافيا، وإكراهات الهجرة .طرح مفهوم وطنية جديدة، أو مفهوم جديد للوطنية، أمر يحظى بالمشروعية، بل ضروري بالنظر إلى التحولات التي عرفها المجتمع المغربي .في ذات المنظور، لا يسع المتتبع إلا أن يقف عند اتجاه يعرف زخما كبيرا وهو الاتجاه الموري، والذي يصوغ مفهوما جديدا للانتماء، من خلال قاعدة الجغرافية، ويبدأ من حيث انطلق المؤرخ عبد الله العروي، من أن المغرب جزيرة، (ولو أن صاحب هذه الفكرة هو شارل أندري جيليان في كتابه “تاريخ شمال إفريقيا“)، ووعي تاريخي يستوعب كل المراحل التاريخية التي تعاقبت على الأرض المغربية، أو المورية، نسبة لساكنتها، التي كانت تنعت بالمور منذ الإغريق. وربما العنصر المميز في خطاب الاتجاه الموري هو أنه يتحدد بمقابلة ما يسميه في خطابه بالكراغلة، وهي إحالة إلى المؤثر العثماني في شمال إفريقيا، والذي لم يخضع له المغرب، سياسيا، بالحفاظ على كيانه، وإن اغتنى منه ثقافيا.
هل يمكن القول اليوم بـ“الوطن العربي“، وترديد «بلاد العرب أوطاني، من بغدان لتطوان» مع ما يعرفه هذا العالم من تمزق وتناحر؟ هل يمكن القول بـ“المغرب العربي“، أو ما شئنا من التسميات، وتكالب بعض منه على وحدة المغرب بل ووجوده؟
الإطار الوحيد الذي هو في منأى من أي تِسْآل أو شك، هو المغرب، كدولة وأمة، من خلال القواسم المشتركة التي تشد عناصره، بعيدا عن أي خطاب هوياتي يفُل سداه، و ما قد يرتبط به المغرب من علاقات مع دول أخرى، وفق ما تفرضه مصالحه، ومنها عمقه الإفريقي الذي كان غائبا في خطاب الرعيل الأول للحركة الوطنية.
ولا جدال أننا نحتاج إلى تحديد مفهوم جديد للوطنية. فقد كان المرحوم علال الفاسي، على حصافته وشفوفه، يرى أن المغربي مسلم وعربي. فهل يمكن أن نرتكن اليوم لهذا التحديد؟ وهل يشكل الاستعمار خطرا علينا؟ ألم تتغير طبيعة التحديات والتهديدات ؟
نحتاج من دون شك إطارا للتفكير، لمفهوم جديد للانتماء، من خلال قراءة متبصرة للخريطة الدولية، وواقع الحال، مع استيعاب لتاريخ المغرب. لا ينبغي للتاريخ أن يكون متاعا نحمله، بل نسغا يحملنا. وما زلنا نحتاج إلى معرفة بتاريخنا وقراءة موضوعية له. والاهتمام بالتاريخ ليس من أجل الغور في الماضي، ولكن بهدف استشراف المستقبل، والمجتمعات لا تعود إلى التاريخ إلا لأن قضايا وجودية تقُض حاضرها .فلعل التاريخ أن يسعفنا في صياغة مفهوم جديد للوطنية، مما انتهى له عالم السياسة السيد بنخطاب، من خلال قراءة للخريطة الدولية .لم يعد التفكير في مفهوم جديد للوطنية المغربية ترفا.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير
و انا اكتب المقال التالي مند اكثر من شهر حول المواطنة الكونية، كان لدي احساس انه بالقليل من المجهود بإمكان المغرب ان يكون نموذجا ناجحا لفضاء المواطنة الكونية : التعددية “العرقية” و اللغوية، بحرين، ساكنة مغربية مهمة مهاجرة عبر العالم و ساكنة غربية و افريقية مهمة مستقرة بالمغرب.
الآن، المواطن كوني فقط
بقلم علي زمهرير
اليوم و اكثر من اي وقت مضى في تاريخ الانسانية الطويل، فقط المواطنة الكونية هي المواطنة الوحيدة المتاحة، المواطنة الوحيدة دات قيمة الان و مستقبلا. فالغباء كله و الفشل التام في التقوقع الشوفيني الضيق في رقعة جغرافية بعلمها و لغتها أو لغاتها و ثقافتها و احتساب دلك وطن دون ربط هدا الوطن بقضايا العالم. غباء و فشل لان قضايا العالم توحدت حاليا و اصبحت مشتركة بدرجة كبيرة سواء في الشق الهام المتعلق بالبيئة التي اصبحت وضعيتها تنبئنا بانقراض جماعي وشيك ان لم نتدخل جماعيا كوطن و شعب واحد فوق هاته الارض .قضايا العالم توحدت ايضا في مجالي السياسة و الاقتصاد التي اتضح عبر العالم افلاسهما في شكلهما الحالي واصبح من اللازم ابتكار صيغتين جديدتين منهما تؤسس على قيم الثقافة و العدالة و الحكامة و الديمقراطية المباشرة و التنمية المستدامة.
وحدة قضايا العالم التي اصبحت تفرض علينا جميعا ان نكون مواطنين كونيين اتضحت جليا و نهائيا بسبب جائحة الكوفيد 19 و التي عرت السياسات الخاطئة لكافة الدول القطرية التي تستنزف مواردها المادية في ابتكار و تصنيع مختلف اسلحة الدمار الشامل و خلق حروب مجانية و في المقابل تخصص القليل فقط من هاته الموارد للبحث العلمي و الطبي و التقني و الدي يمكن ان يرد او يخفف من اي وباء يصيب البشرية.
و الى جانب وحدة قضايا العالم التي تفرض علينا ان نكون مواطنين كونيين او لا نكون مواطنين بتاتا، هناك ايضا دور كبير تلعبه التكنولوجيا الجديدة و اكتساح الابتكارات الرقمية لحياة كل ساكنة العالم. فعلى عكس بعض الآراء التي تنظر بسلبية لهدا التطور التكنولوجي و الرقمي، فهدا الأخير دق المسمار الاخير في نعش المواطنة القطرية التي منعت تكرار تجربة الوحدة الاوربية (الاتحاد الاوربي) في اكثر من جهة من العالم و منعت انتاج اتحادات اكبر من دلك لتفادي ماسي حقيرة كالمجاعة و الرق الجديد و الحروب و المشاكل البيئية. فحقيقة، كل الاستغراب ممن يربطون كل الماسي الحالية بمجيء التكنولوجيا و الرقمنة و التي عكس دلك لها الفضل في انها كشفت اكثر هاته الماسي و منحتنا وسائل ناجعة للقضاء عليها بتمكيننا من الحصول السهل على المعلومات و تبادلها و تبادل التجارب و التعاون بطرق تتوافق و مقتضيات التنمية المستدامة.