يتلازم الخطاب السياسي والفعل السياسي. يهيء الخطاب تصورا لطبيعة نظام سياسي، وعلاقات مجتمعية، بناء على قيم العدل والمساواة والشورى وعدم الاستفراد بكل شيء، وكل ما يستهوي النفس البشرية، من قيم نبيلة، على العموم، أو مطابقته لمقتضى الشريعة في دائرة الإسلام. ويُقيَّضُ للخطاب من يحمله، بل وينجزه، وقد ينتقل حينها لمن يزكيه، أو أن يفرضه فرضا كما مع الموحدين. لا تشذ تجربة المسلمين في الحكم عن ماهدين، ”قائمين بأمر الله”، ومنهم من تلقب بذلك فأصبح علَما عليه، وآخرين مادحين، وثلة تدعو للإصلاح وتقويم ما اعوجّ، وأصحاب نصيحة، وطوباويين، وحالمين، ومغامرين، ومن لا يخشون في الحق لومة لائم.
تصطبغ التجربة المغربية بالطابع الإسلامي، من دعاة ومصلحين، ومزجين للنصيحة، ومهدويين ومجاذيب …وتختلف النظرة باختلاف السياق، وباختلاف مسارات من يحمل الخطاب. الويل للدعاة الذين فشلوا، والثبور لمن تعثروا، كما ابن محلي، العالم الذي حمل خطابا إصلاحيا، وتولى الحكم باسم هذا الخطاب لفترة وجيزة، ولكنه لم يثبت لإغراء السلطة، ولا لحزم معارضيه، فتولى خائبا مدحورا، وقيل عنه قام طيشا، ومات كبشا، والعُتبي للمهدي بن تومرت، من أرسى لبنة دولة قوية البنيان، مهيبة الأركان، لأنه نجح، أو أن مريديه نجحوا باسم الإيديولوجية التي وضعها. يتوزع حملة العرش إلى من يحملون خطابا إصلاحيا، أو دعويا، ويستطيعون أن يؤلفوا حولهم طائفة من المريدين ومن المنتسبين إليهم، وقد يقيض لهم النجاح فيمهدون لنواة دولة، كما عبدا لله بن ياسين، مُنظر دولة المرابطين، وناشر المذهب المالكي، أو كالمهدي بن تومرت الذي جمع حوله “الموحدين“ في تنمل حول أرضية إيديولوجية هي “أعز ما يطلب“ .ذلك ما نعته ابن خلدون بالدعوة، ولا بد للدعوة من مُنظر.
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 100 من مجلتكم «زمان»