قبل أن يزود الملك الحسن الثاني المغرب بأول دستور في تاريخه سنة 1962، كانت البلاد تحتضن مجلسا للدستور عينه الملك الراحل محمد الخامس. تجربة فريدة لم يكتب لها النجاح، فانهارت تحت وطأة الصراع حول كرسي الرئاسة.
لم يأت مجلس دستور سنة 1960 قط من فراغ. ودون الرجوع إلى الحركة الدستورية التي شهدها المغرب في بداية القرن العشرين، إبان المرحلة العزيزية، يكفي إلقاء نظرة خاطفة على أدبيات الحركة الوطنية المغربية لإبراز المكانة التي كانت تتبوؤها المسألة الدستورية. حزب الاستقلال، أكبر الأحزاب الوطنية، طالب منذ وثيقة 11 يناير 1944، بـ”إحداث نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية الإسلامية في الشرق”. مع هذا، كانت قضية الدستور لدى الاستقلاليين تأتي دائما في مرحلة ثانية على القضية الوطنية. وهو ما يقر به علال الفاسي، الزعيم التاريخي للحزب، في كتابه “معركة اليوم والغد”: “لم نكن نريد أن ندخل في صراع مع المستعمر على غير قضية الاستقلال نفسها، تاركين مسائل الديمقراطية إلى ما بعد التحرر الوطني”. في الواقع، كان الاستقلاليون يعتبرون إقامة نظام حكم ديمقراطي دستوري عملا يدخل ضمن السيادة التي لا يمارسها إلا حكم وطني. وبالتالي، لا جدوى من كل ذلك والبلاد خاضعة للاستعمار.
على النقيض تماما، كانت القضيتان الوطنية والدستورية لا تنفصلان في فهم حزب الشورى والاستقلال. فمنذ مؤتمره التأسيسي سنة 1946، صادق الحزب على برنامجه السياسي الذي حمل اسم “ميثاق الاستقلال القومي”، ونص في بنده الرابع على “منح الشعب المغربي ميثاقا سياسيا، أي دستورا يصبح القانون الذاتي والنظام الأساسي للمغرب الحر”. أكثر من هذا، نزل الحزب بمطالبه الدستورية إلى أرض الواقع، فرفع مذكرة إلى المقيم العام ألفونس جوان، بتاريخ 23 شتنبر 1947، طالب فيها بوضع دستور عن طريق مجلس وطني يمثل الرأي العام في مرحلة انتقالية تفضي إلى الاستقلال.
خالد الغالي
التتمة في العدد 8 من «زمان»