كان الاختلاف بين السفراء المغاربة والتونسيين، الذين سافروا إلى أوربا في القرن التاسع عشر، كبيرا وواضحا. ففيما دعا التونسيون إلى الاستفادة من أسباب الترقي الأوربي، رأى المغاربة في فكر القارة العجوز فكرا ظلمانيا.
كان القرن التاسع عشر، بدون منازع، قرن التفوق الغربي وانحسار الحضارة الإسلامية في كل مكان. خلال هذا القرن، ظهر جليا للنخب السياسية والفكرية أن الهوة الحضارية بين العالمين الإسلامي والمسيحي قد اتسعت بشكل مذهل، وأن مآل المسلمين هو لا محالة الاندثار والتلاشي إن هم لم يفعلوا شيئا لتدارك الأمر. عندما نتحدث عن اختلال الموازين بين المسلمين والمسيحيين، فإننا بالضرورة نفكر في أكبر دولة إسلامية وأوسعها رقعة، وكيف تراجع أمرها أمام تغول المسيحيين ابتداء من أواخر القرن الثامن عشر. كانت للدولة العلية ولايات شاسعة الأطراف في شرق أوربا وبلاد البلقان، وشبه جزيرة القرم وشرق المتوسط .لكن هذه الأراضي أصبحت عرضة للتوسع والقضم المتواصل من طرف جيران العثمانيين في الشمال، وخاصة من طرف روسيا والنمسا، فأصبح الخطر يتهدد عاصمة العثمانيين نفسها، وينذر باستيلاء الدول المسيحية حتى على الولايات البعيدة مثل الجزائر التي سقطت في يد الفرنسيين سنة .1830 عندئذ، استفاقت الدولة العثمانية من سُباتها، ولجأت مضطرة إلى معالجة بعض أوجه مرضها بإقرار الإصلاحات التنظيمية والعسكرية ابتداء من سنة 1839 من خلال ما أصبح يعرف بعهد «التنظيمات».
بما أن بلاد تونس كانت تشكل إيالة من الإيالات العثمانية، فإنها قد تأثرت بالضرورة بما كان يجري في الدولة العثمانية بشكل عام .إلا أن تونس كانت، عند بداية القرن التاسع عشر، قد اكتسبت من الاستقلال النسبي عن إسطنبول ما جعلها تنحو منحى يختلف نسبيا عن سياسة الدولة العثمانية على المستوى المركزي .كما أن توفرها على نخبة متفتحة على العالم الخارجي، أتاح لها الاستفادة من التحولات الثقافية والعلمية الأوربية التي كانت تجري على مقربة منها.
محمد المنصور
تتمة المقال تجدونها في العدد 111 من مجلتكم «زمان»