في ظل اهتزاز منظومة القيم التي يعرفها العالم، ومن أجل تجاوز العقبات والمعيقات، خرج الملك في خطابه للعرش مؤكدا على ضرورة تشبث المغاربة بقيم “تمغربيت”.
دخل حكم الملك محمد السادس عامه الرابع والعشرين، أي حوالي ربع قرن من الحكم .وقد تخللته محطات وتطورات كبرى على مستوى تدبير شؤون البلاد .وإذا كان يمكن انتقاء أهم محطة ميزت هذه السنوات، فإن خبراء السياسة يكادون يجمعون أنها لحظة تعديل الدستور سنة ،2011 إذ يعتبرون المرحلة التي سبقتها تختلف عما تلتها.
ومنذ هذا التاريخ، أضحى المغرب حاسما، بل صارما، في بعض القضايا الوطنية والمحلية، في مقدمتها أمرين: إنجاز المشاريع الكبرى، ثم قضية الصحراء المغربية؛ فكانت الأولى سببا في إحداث “زلزال سياسي“ سنة ،2017 والثانية تحولت إلى نظارة «ينظر بها المغرب إلى العالم» كما قال الملك في غشت .2022 وقد زادت حدة الصرامة والرعاية الملكية لتطال الشأن الاجتماعي، الأمر الذي جعله يطلق مشروع تعميم الحماية الاجتماعية لجميع المواطنين.
إن المتتبع للخطابات الملكية في السنوات الأخيرة، (منذ أزمة كورونا)، يلاحظ أنها أضحت تركز على ثلاثية مترابطة: وهي الوحدة الترابية، النمو الاقتصادي، ثم الشأن الاجتماعي. لكن الملك في خطاب العرش الأخير، أضاف عنصرا يمكن أن يكون جامعا لهذه الثلاثية أو قالبا يحتويها، وهو التشبث بالأصالة المغربية أو ما يعرف بـ“تمغربيت“.
وبما أن المملكة بلغت مراحل متقدمة أمام أنظار العالم، وذلك بفضل جهود المغاربة واعتزازهم «بتقاليدهم العريقة، وبالهوية الوطنية الموحدة»، فإن الملك يأمل أن ننتقل إلى «مرحلة جديدة، وفتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى»، ولا يمكن أن يتحقق ذلك، كما يقول الملك، إلا بالجدية في العمل، ويقصد الجدية التي أضحت تؤطر الشباب المغربي أينما كانوا، وبسببها أبهروا العالم. وهي الجدية التي صنعت إنجازات المنتخب المغربي، وقادت إلى الابداع والابتكار في مجال صناعة السيارات. ولهذا، شدد الملك على أن تظل تلك الجدية «مذهبنا في الحياة والعمل، وأن تشمل جميع المجالات».
لكن ما هي ملامح هذه الجدية التي قصدها الملك؟
ربط خطاب العرش بين الجدية وبين الأصالة المغربية أي “تمغربيت“، وذلك بالتنبيه أولا إلى وضع العالم الذي اهتزت فيه منظومة القيم والمرجعيات، وبالتالي فإن حاجتنا
– كما يقول الملك – تدعو «إلى التشبث بالجدية، بمعناها المغربي الأصيل». وتتجسد الجدية في التمسك بالقيم الدينية والوطنية، والتشبث بالوحدة الوطنية والترابية للبلاد؛ وكذلك «في صيانة الروابط الاجتماعية والعائلية»، ثم أخيرا في «تحقيق التقدم الاقتصادي، وتعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية» .لكن علاوة على الاهتمام بالروابط الداخلية للشعب المغربي، فلم يفت الملك التذكير بحرص المملكة على إقامة روابط وطيدة مع الجارة الجزائر، مؤكدا أن «المغرب لن يكون أبدا مصدر أي شر أو سوء»، وداعيا من منبره إلى عودة الأمور إلى طبيعتها وإلى «فتح الحدود بين بلدينا وشعبينا، الجارين الشقيقين».