حاول المغرب في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إصلاح أوضاعه المهترئة، لكنه أخطأ موعده مع التاريخ، حين وجد مخزن الوقت نفسه عاجزا عن المبادرة واكتفى بترديد لازمة “إبقاء الأمور على عوائدها حتى لا يتسع الخرق على الراقع.
عادة ما يطرح سؤال الإصلاح في مغرب القرن التاسع عشر، من منطلق السعي لفهم ما جرى قبل خضوع المغرب للاستعمار. فإلى عهد قريب كان المغاربة مزهوين بنصر معركة الملوك الثلاثة، وهم الذين دحروا قوتين إيبيريتين سبق لهما أن قضمتا أجزاء من تراب مدنه الساحلية، وهددتا أكبر إمبراطورية إسلامية عصرئذ، أي إمبراطورية آل عثمان. مما أعطاهم ثقة زائدة في النفس استمرت طيلة القرن الثامن عشر، ألم يقل ابن عثمان، وهو في البلاط الاسباني سنة 1779، متحدثا عن سعي الإسبان للصلح والمهادنة مع السلطان سيدي محمد بن عبد الله، «وهذا كله من شدة ما ألقى الله في قلوبهم من الرعب من سيدنا ومولانا أمير المؤمنين أعزه الله».
كرس هذا النصر العسكري في وادي المخازن، والذي كان بدون نتائج على حد تعبير فرنان بروديل، نوعا من تضخم الأنا، ولم يتم الالتفات إلا أنه مجرد ربح معنوي بدون تداعيات مادية؛ فلا الثغور المحتلة استرجعت، ولا العبور لاسترجاع الأندلس قد تم، وتم الانكفاء جنوبا نحو بلاد السودان. تكرس هذا الاعتزاز بالنفس، واحتقار الآخر داخل قالب ذهني يؤول على طريقته فكرة تميز المسلمين واعتبارهم أحسن أمة، وعوض السعي إلى فرض الأفضلية بالعمل اعتُبرت مكسبا وتحصيل حاصل، ولم يتم الاتعاظ من الزحف على الثغور وتراجع القوة، ولا جرى أخذ العبر والدروس مما كان ينقله الرحالة المغاربة الذين زاروا أوربا ونقلوا الكثير من مظاهر تفوقها. ولما حل القرن التاسع عشر جاءت بدايته بطاعون كبير، ضرب في الصميم التوازن الديمغرافي للبلاد، وبعد ذلك بقليل، أي في سنة 1817 قرر السلطان المولى سليمان تفكيك بقايا الأسطول المغربي، في زمن استعداد الاستعمار للظهور في نسخة جديدة ومزيدة.
الطيب بياض
تتمة المقال في العدد 18 من مجلة «زمان»
merci Zamane, il faut enseigner tout ca à l’ecole!!!