سعت الحركة الوطنية، بعد الاستقلال، إلى محاسبة «الخونة» الذين تعاونوا مع فرنسا لعزل محمد الخامس. بعد تردد، تحقق الأمر فعلا وصدرت أحكام في حق مجموعة منهم. ثم سرعان ما استفادوا من العفو عنهم. عودة لكواليس هذه الثورة الموؤودة.
مضت ستون سنة على ذلك اليوم التاريخي الذي عاد فيه محمد الخامس إلى العرش. في 16 نونبر 1955 بدأت مسيرة المغرب نحو الاستقلال، وتصفية إرث الحماية. كانت محاكمة «الخونة» المتآمرين مع المستعمر في قلب هذه المسيرة المحفوفة بالاضطرابات. لم تمض سوى سنوات قليلة على بدء هاته المحاكمة، رسميا، في 1957 حتى آلت الأمور إلى ثورة مضادة، عاد معها المدانون إلى أوضاعهم السابقة، بمقتضى عفو ملكي صدر لصالحهم سنة 1963. ليعود، في المقابل، العديد ممن واجهوا الاستعمار بالأمس القريب إلى السجون صيف تلك السنة، الذي كان منعطفا حاسما في تاريخ المغرب الراهن.
تصفية التركة
لم تكن عودة محمد الخامس إلى العرش، وتوقيع الإعلانين الرسميين عن استقلال المغرب عن فرنسا ثم اسبانيا، سنة 1956، سوى اللبنات الأولى للعهد الجديد. بالنسبة لقادة الحركة الوطنية، كان إعطاء مضمون عملي للاستقلال يقتضي استمرار المقاومة المسلحة لاسترجاع باقي المناطق المحتلة، واستمرار دعم جبهة التحرير الجزائرية، وجلاء القوات الأجنبية… وأيضا تطهير الإدارة والمرافق الأمنية من الأطر الفرنسية والمتعاونين معهم من المغاربة، فضلا عن محاكمة «الخونة» الذين تعاونوا مع المعمرين ضد الحركة الوطنية ومحمد الخامس. كان اجتماع مدريد الشهير، في يناير 1956، مناسبة أكد خلالها أطر من قادة المقاومة وجيش التحرير، وممثلون عن قيادة حزب الاستقلال، على «التنسيق» بين الجانبين على جملة من الأهداف المشتركة.
تأسس المجلس الوطني للمقاومة المغربية، في هذا السياق، باعتباره هيأة تحاول السهر على تحقيق الاستقلال الكامل، من منظور الحركة الوطنية. في البيان الصادر عنه شهر غشت 1956، تحتل قضية «تطهير الإدارة من الإقطاعيين والخونة» صدارة مطالبه. يربط البيان مستقبل الدولة الوطنية المنشودة باستكمال الوحدة الترابية، وإقامة «ملكية دستورية تتلاءم مع مبادئ الإسلام الصحيح»، من جهة، وتصفية تركة الاستعمار من جهة ثانية.
إسماعيل بلاوعلي
تتمة الممقال تجدونها في العدد 26 من مجلتكم «زمان»