مضت ستون سنة على استقلال المغرب. إنها مناسبة للتوقف والمساءلة. هناك أكثر من زاوية نظر وتقييم للعديد من مناحي الحياة. سبق لمجموعة من الباحثين، من تخصصات مختلفة، أن قاموا بهذا الجهد في تقرير الخمسينية، سنة 2005. لا يمنع ذلك من العودة للعقود الستة الماضية من استقلال المغرب، من منظار آخر. يمكننا طرح التساؤل عن الاستقلال والسيادة.
لهاتين الكلمتين قدرة هائلة على شحذ الهمم وتعبئة العزائم، فحولهما تشكلت حركات التحرير في القرن الماضي، حيث بلور المغاربة بدورهم حركتهم التحررية. لا يعفينا ذلك من استعادة سياقات تلك الفترة، على ضوء حقائق الحاضر.
كان جزء كبير من رواد الحركة الوطنية، بعد الاستقلال، يدافعون عن فكرة واضحة، مفادها أن الاستقلال لا يمكن أن يكون إلا كاملا. لنتجاوز الخلاف حول التاريخ الفعلي لاستقلال المغرب، والمعلن رسميا في 2 مارس 1956. إذ الأهم هو أن اتفاقيات إيكس ليبان في شتنبر 1955، كما اتفاقيات لاسيل سان كلو، في نونبر من نفس السنة، لم تمكن المغرب سوى من تحقيق استقلال يتلخص في استعادة بعض صلاحيات السيادة، التي تبقى في الواقع شكلية. في سياق تلك الفترة، ما بين الخمسينات والستينات، كان الخطاب السائد يتمحور حول استمرار الهيمنة على السلطة السياسية، استمرار سيطرة المصالح الفرنسية على الاقتصاد المغربي، واستمرار الوجود العسكري الأمريكي في البلاد. كان برنامج استكمال الاستقلال يقوم على جلاء القواعد العسكرية الأجنبية، و”مغربة” الاقتصاد. تحقق ذلك فعلا، لكن ليس في الاتجاه الذي كانت تريده القوات الديمقراطية والتقدمية في البلاد، بل في الاتجاه الذي أفرز النتائج السلبية التي نعرفها في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي.
أين نحن اليوم من هذين المفهومين المرجعيين: الاستقلال والسيادة؟ يعرف الاستقلال، في المعجم، بأنه “رفض كل خضوع، أو علاقة تبعية، أو ضغط أو إكراه”. أما “السيادة الوطنية، فتعبر عن استقلال الدولة الوطنية عن باقي الدول، أو الهيئات الدولية”. من الواضح أن الحاضر يعكس تماما هذه التعريفات. الاستقلال الاقتصادي، بأبعاده السياسية، لم يعد واردا. ما عاد يعني شيئا في زمن العولمة هذا، حيث تحدد مصالح الدول، النظام العالمي الجديد. لا يمكن للمغرب أن يخرج عن هذا الإطار، عن الجري خلف الاستثمار الأجنبي، الذي تفتح له كل الأبواب. كل السلطات العمومية والمصالح الدبلوماسية معبأة في هذا الاتجاه. في هذا النطاق تتحدد التحالفات العسكرية والسياسية. على سبيل المثال مع بلدان الخليج التي صارت أقرب للمغرب أكثر من أي وقت مضى.
لا يمكن تحليل الستين سنة الماضية من استقلال بلادنا دون استحضار هذا الواقع المعقد، وهذا التفاوت بين قناعات الأمس وإكراهات الحاضر. استحضار هذا السياق بأبعاده الوطنية والعالمية. في هذا الأفق تطمح “زمان” للمساهمة في حفظ الذاكرة التاريخية، وقد مضت اليوم أكثر من 5 سنوات على صدور نسختها الفرنسية. وأكثر من سنتين على النسخة العربية.
عيد سعيد، وقراءة ممتعة.
يوسف شميرو
مدير النشر