تجسد استعمار المغرب في الجيوش الغازية، وفي اسم الماريشال ليوطي وآلياته العسكرية والإدارية. لكن من يقف خلف تلك الجيوش؟ أي دور لعبت “هيأة المغرب” في استعمار البلاد ونهب خيراتها؟
تحلق جمع من رجال الأعمال الفرنسيين حول وليمة جمعية “الاتحاد الاستعماري” في إحدى أروقة “الفندق الكبير” الفخم وسط باريس، كما جرت بذلك عادة هذا النادي حيث تناقش أمور المال والأعمال. احتدم النقاش بين “التونسيين” و”الجزائريين”، أي رجال الأعمال الفرنسيين المعمرين في البلدين الخاضعين لفرنسا، حول سعر الفوسفاط المستخرج من البلدين، ليتهم كل طرف الآخر بالرغبة في ضرب تنافسيته. توترت الأجواء حتى كاد المتخاصمون يتشابكون بالأيدي، لينادي بعض الصحافيين الحاضرين “إيتيان” لعله يهدء روع المتنازعين. لم يكن أوجين إيتيان رئيس هذا النادي، لكنه كان زعيم اللوبي الاستعماري الفرنسي بدون منازع. أخذ الزعيم الكلمة، وقد انتصف الليل، ليصمت الجميع. «أشعر بالأسى عندما أراكم تتخاصمون. ألا يمكن أن تزدهر الجزائر دون أن تشل تونس؟ أو أن تغتني تونس دون أن تعرقل ازدهار الجزائر؟ أرجوكم أصدقائي الأعزاء، اتركوا صراعاتكم التافهة هاته جانبا. فلنتطلع بأبصارنا أبعد وأعلى. انظروا هناك قريبا منكم، يوجد المغرب: أرض خصبة تنعم ببركة مزدوجة تمطرها من ماء البحر المتوسط والمحيط الأطلسي».
تابع إيتيان عرضه، وسط اهتمام الحاضرين، «آه أصدقائي، يا له من حقل رائع لأعمالكم. هناك توجد مناجم الفوسفاط والحديد. أراضي للقمح وأشجار الزيتون. هناك ستنشأ مزارع القطن الذي سنصدره لمعاملنا في روبي وتوركوان (بفرنسا). هنالك سكك حديدة وموانئ يبنيها المقاولون منا وأصحاب الحديد والصلب! هنالك، أيضا، أموال لأبناكنا! هل ستستمرون إذن في التنازع؟ ما قيمة صراعاتكم حول فوارق طفيفة في التسعيرة بين مستعمرة (الجزائر) ومحمية (تونس) بالمقارنة مع كل هذه الآفاق التي تنفتح أمامنا!».
إسماعيل بلاوعلي
تتمة الملف تجدونها في العدد 38 من مجلتكم «زمان»