حرص السلاطين المغاربة، خلال العصر الوسيط، على استغلال كل الفضاءات والمناسبات لإظهار مدى قوتهم. وهم في الواقع كانوا يمارسون عنفا خفيا وإن كان أقرب إلى الفرجة.
تعد ظاهرة العنف في علاقتها بالسلطة، من الظواهر البارزة التي طبعت تراث الغرب الإسلامي الوسيط. ويبدو أن استقراء نصوص هذا التراث، يكشف عن مدى تفاقم هذه الظاهرة وعودها الدائم والمتكرر. ويستطيع أي دارس أن يكتشف تنوع أشكال هذا العنف وأساليبه من قبيل الاستئصال والتقتيل الجماعي، والذبح والصلب والتسميم وحز الرؤوس، فضلا عن المطاردة والتنكيل وغيرها.
شارات الملك
هذه الورقة ليست بصدد تشريح أشكال هذا العنف وانواعه، بقدر ما ستركز على شكل آخر من العنف يبدو أكثر تخفيا وتعقيدا، كونه تجاوز في أهدافه تحقيق تملك الدولة الكامل للأفراد، وضمان استمرار سلطتها، وتخطى إكراه الجسد ليؤثر في الأذهان، والمقصود به هنا ما يمكن وسمه بالعنف الرمزي كما مارسته الدولة المغربية خلال العصر الوسيط، والذي تمثلت عناصره في ما سماه ابن خلدون بـ”شارات الملك” من لباس السلطان، ومواكبه، ومجالسه، وكذا في كل ما من شأنه أن يبرز للعيان عظمة الدولة وقوتها من مثيل القصور والمدن السلطانية وغيرها، حيث شكلت أساليب اعتمدتها الدولة في إطار سعيها إلى إبراز مظاهر القوة والعظمة والتميز والاستثناء، ترتقي من خلالها إلى مستوى الدراية السياسية والهيمنة القائمة على إكراه العقول. كتب ابن خلدون في مقدمته يعرف الملك في مغرب العصر الوسيط، فقال: إن «الملك على الحقيقة لمن يستعبد الرعية (…) ولا تكون فوق يده يد قاهرة وهذا معنى الملك وحقيقته في المشهور».
حميد تيتاو
تتمة الملف تجدونها في العدد 50 من مجلتكم «زمان»