ما كان حراما بالأمس أصبح حلالا اليوم، إذ لم يعد التحالف بين حزبي “الأصالة والمعاصرة” و”العدالة والتنمية” من المحرمات.
أعلن قادة “البام” و”البي جي دي”، بشكل صريح، عن طي مخلفات مرحلة سابقة اتسمت باستقطاب حاد كان رمزاه شخصيتين بمزاج خاص، إنهما عبد الإله بنكيران وإلياس العماري. شهدنا حينئذ واحدة من أعنف المعارك الانتخابية كلاميا، اليوم أصبح هذا السجال مجرد ذكرى تذروها الرياح بعد أن غادر الرجلان الحياة السياسية إلى خلوة اضطرارية، فانتقلنا في ظرف وجيز من النقيض إلى النقيض، ما يمثل برهانا على كيفية إدارة السياسة في هذه البلاد خارج لغة المنطق والقناعات. ومناسبة هذا الكلام هو إعلان التحالف بين حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية على مستوى رئاسة جهة طنجة تطوان الحسيمة بعد انسحاب إلياس العماري. فحتى قبل أسبوع من يوم التصويت، كان حزب العدالة والتنمية يحتج على محاولات التحكم في النتائج وخلق الأغلبيات، مؤكدا تقدمه للمنافسة على رئاسة الجهة، لكن المفاجأة التي لم يتوقعها أحد حصلت، فسحب مرشح الإسلاميين ترشيحه مفسحا المجال لفاطمة الحساني لترؤس الجهة، معلنا عن تحالف بين خصمي الأمس، كان حتى زمن قريب من سابع المستحيلات. لدى الزعامات الحالية للحزبين تصور واضح عن المرحلة المقبلة، فبالنسبة إليهم لا توجد موانع في أن تحصل تحالفات أخرى. حتى على المستوى الوطني، لم تعد هناك خطوط حمراء. انتهى ذلك مع نهاية تصورات فردية. ففاطمة المنصوري، القيادية في “البام”، مثلا، تقول في تصريحات صحفية إنها لم تر في يوم من الأيام أن مشروع حزبها هو مشروع مضاد لمشروع العدالة والتنمية، بل كانت مشاريع وأفكار أشخاص قادوا الحزب في مرحلة معينة، والاختيارات في التجارب الديمقراطية ليست ثابتة بل متغيرة، تدفع المنصوري بهذه الطروحات في تصريحات صحافية. من جهة الإسلاميين كذلك، تبقى جميع الاحتمالات في المستقبل مفتوحة، رغم تشديدهم على أن هذا التحالف الجديد هو تحالف جهوي وليس وطنيا، وفي السياسة -كما يقول سليمان العمراني نائب الأمين العام- لا توجد اختيارات حدية. «نحن نقدر المصلحة في كل سياق محدد، والمصلحة تنقلب حسب السياقات، ومبدئيا كل شيء ممكن»، يقول العمراني الذي يؤكد أن “البام” تغير برحيل العماري. لا تحدث الأمور في المغرب عموما كما نتوقع دائما، وفي السياسة تصبح الأمور أكثر تقلبا، إذ تتغير تحالفات الليل في صباح اليوم الموالي، ويصبح خصوم الأمس أكثر الحلفاء تفاهما، ولقد رأينا كيف لوح الذين خلفوا بنكيران على رأس العدالة والتنمية بتحالفهم مع الشيوعيين القدامى إلى سلة المهملات، وكيف استعمل حميد شباط، قبل سنوات، الممحاة الممتازة لمسح فصول العداوة مع بنكيران فأصبح حليفه الكبير في معركة المشاورات. وقبل هذا كله، يذكر الجميع كيف قبلت الكتلة الديمقراطية أن تشكل حكومة مع إدريس البصري…