مثل الشوريون حالة خاصة في التاريخ السياسي المغربي، ولأن حزبهم توارى عن الأنظار بفعل فاعل بعد أن ذاق ما ذاق وجرى إعدامه معنويا من طرف النظام السياسي والنخب المتحالف معها، فإن القليلين يذكرون اليوم أن حزب محمد بن الحسن الوزاني كان أول الأحزاب التقدمية المغربية، حزبا خرج من رحم الحركة الوطنية ليؤسس تجربة تحدث قطيعة مع الأصول السلفية وتمتح من الليبرالية، فمؤسسوه هم أول من دافعوا عن استقلال مقرون بالديمقراطية، عن مجلس تأسيسي، عن ملكية نيابية، وهم كذلك من أسسوا سنة 1947 أول حركة نسوية تقدمية مغربية، وأول من حاولوا قراءة التراث الإسلامي بطريقة مغايرة.
يبذل محللو الخطاب السياسي جهدا كبيرا في تحليل وسبر الكتابات للخروج باستنتاجات وتصورات عن العقيدة السياسية لحزب ما أو مفكر معين وتطورها التاريخي مع عقد المقارنات بين أمهات الأفكار السياسية وتطورها في العقائد السياسية الراهنة لتياراتها السياسية الوريثة. وفي المغرب لطالما كانت الاختيارات الفكرية والسياسية المختلفة والمتنوعة محط سجال بين الباحثين في الفكر السياسي والقارئين لتاريخه. وفي يومنا هذا الذي يجري فيه تعظيم المواجهة بين الحداثة والمحافظة في الأفكار الرائجة في سوق السياسة المغربية، يبدو من المهم إعادة قراءة جذور هذه الأفكار والاجتهادات السياسية التي خرجت كثير من أصولها من رحم ما كان يعرف بـ”الحركة الوطنية”.
إيديولوجيا الوزاني
يقسم الباحث عبد لله ساعف، مثلا، هذه الاتجاهات المؤسسة إلى ثلاثة: سلفية علال الفاسي، اشتراكية بن بركة، ليبرالية بن الحسن الوزاني، وإذا كان الاتجاهان الأولان ما يزال يجري استحضارهما بشكل مستمر إما في محاولات لاستصدار الشرعية التاريخية أو للتأكيد على راهنية مشاريعهما، فإن إرث بن الحسن الوزاني، الذي مثل خطا ثالثا بين الاختيارين، قليلا ما يتم استحضاره واستدعاؤه على طاولة النقاش، ربما لأن حزبه طواه النسيان وأضحى مجرد وعاء فارغ أو لرغبة متعمدة في إقبار اجتهادات رجل وحزب كانت أفكارهما صريحة وسابقة لزمانها.
عماد استيتو
تتمة المقال تجدونها في العدد 74 من مجلتكم «زمان»، دجنبر 2019