كان النصف الثاني من القرن السادس عشر حافلا بالملوك العظماء: مراد الثالث السلطان العثماني، فيليب الثاني ملك إسبانيا، إليزابيث ملكة إنجلترا. في المغرب، لم يكن المنصور الذهبي أقل شأنا.
مثل السلطان أحمد المنصور الذهبي الحقبة الذهبية للأسرة السعدية. فقد وضع لبنات المخزن المغربي، وأسس جيشا قويا حمله إلى بلاد السودان من أجل تحقيق حلمه بتأسيس دولة خلافة في المغرب الإسلامي.
كانت سنة 1549 حاسمة في مسار الدولة السعدية، فقد تمكن خلالها محمد الشيخ المهدي من توحيد المغرب الأقصى تحت سلطته. رأى النور، خلال هذه السنة أيضا، المولى أحمد الذي سيصير فيما بعد أكبر الملوك السعديين، وسيحمل لقب “الذهبي”. تلقى في صغره تكوينا متينا في العلوم الدينية واللغة والتاريخ والرياضيات والمنطق، على يد كبار علماء الدولة، أمثال أحمد المنجور، عبد الواحد الحميدي، رضوان الجنوي، محمد الدرعي، وغيرهم. بل، حصل على إجازات من علماء المشرق. وطيلة حياته، استمر شغفه العلمي هذا ملازما له، فكان بلاطه دائما مسرحا لحلقات العلم والمناظرات. وهو نفسه كان كاتبا مؤلفا وشاعرا.
بعد وفاة محمد الشيخ المهدي، وتولي ابنه عبد لله الغالب عرش المغرب، لم يجد الأخوان عبد الملك وأحمد سوى الفرار إلى الجزائر والقسطنطينية، للحصول على دعم “الباب العالي” في مسعاهما لاسترجاع عرش والدهما. دامت هذه الإقامة، على ما يبدو، قرابة عقدين من الزمان، وكانت حاسمة في رسم ملامح شخصية أحمد المنصور. يقول محمد جادور في كتابه “مؤسسة المخزن في تاريخ المغرب”: “كانت هذه المدة كافية للتعرف على التنظيمات الإدارية والعسكرية العثمانية، بل للاحتكاك بالبيئة المتوسطية من خلال التواصل مع ثقافات مختلفة استقطبها نشاط القرصنة وأسهم في تلاقحها، إذ كان لتكوين أخيه عبد الملك وانفتاحه أثر بالغ في صقل شخصيته، واحتكاكها بالمستجدات الدولية، وهو ما ستعبر عنه مشاريعه التحديثية، وأسلوبه الدبلوماسي بعد توليه الحكم”. أما نبيل مولين، فيقول في كتابه “الخلافة التخيلية لأحمد المنصور” الصادر بالفرنسية: “كان لهذا المقام تأثير دائم على الأمير أحمد، ويبدو أنه كان مفيدا جدا له. هناك، اكتسب تجربة في السياسة الدولية، والمؤامرات السياسية المتوسطية، وتذوق طعم السلطة وفن الحكم العثماني والإيبيري، دون أن يغفل تقاليد بلاده”.
خالد الغالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 6 من مجلتكم «زمان»