وجد محمد بن عرفة نفسه، بالصدفة أو مضطرا، جالسا على عرش المغرب بعد نفي السلطان محمد بن يوسف. سانده في ذلك رجال سلطة ودين.
ترجم الأستاذ إبراهيم بوطالب، في الجزء الثامن عشر من معلمة المغرب، لمولاي عرفة، وترجمت الأستاذة ثريا برادة في الجزء الواحد والعشرين لابنه محمد بن عرفة. ومن الترجمتين وكتابات أخرى، يتضح أن مولاي عرفة كان فقيها علامة، وأنه أحد أبناء السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان، وأصغر إخوة السلطان مولاي الحسن. كما يتضح أنه تقلد في عهد حكم أخيه وفي عهد حكم ابن أخيه المولى عبد العزيز عدة مناصب، وتم تكليفه بعدد من المهام، تعلقت بالمجال العسكري وبمسألة الحدود مع الاستعمار الفرنسي في الجزائر، كما تعلقت بتسيير شؤون مدينة فاس.
أما محمد الابن، السلطان فيما بعد، فقد كان أكبر أبناء مولاي عرفة، وهو من مواليد مدينة فاس، وأحد أعيانها المستثمرين في مجال فلاحة الأرض التي ورثها عن والده. وتبين بعض القرائن أن محمد بن عرفة لم يكن صاحب ميول سياسية ولا صاحب تطلع للسلطة، غير أنه صادف شروطا في لحظة من تاريخ الأزمة المغربية قادته إلى الجلوس على العرش، والحصول على صفة سلطان.
خندقان متحاربان
في سياق الأزمة، لا بد من الإشارة، من حيث أطرافها، إلى خندقين، تخندق في أحدهما السلطان محمد بن يوسف بمعية أحزاب الحركة الوطنية، وتخندق في الثاني رجال الإقامة العامة واللوبيات الاستعمارية الكبرى، يساندهم ويتحرك من أجلهم أعيان ورجال سلطة متنفذون كبار من المغاربة، على رأسهم باشا مراكش التهامي الكلاوي، وأحد علماء العصر البارزين في علم الحديث الشيخ عبد الحي الكتاني، شيخ الطريقة الكتانية.
فالكلاوي، الذي اكتسبت عائلته نفوذا قويا في الجنوب منذ عهد السلطان المولى الحسن، مهدت سبيله صدفة زمجرت فيها الطبيعة، وتحول فيها آل الكلاوي إلى مساعدين للسلطان وجيشه على تخطي سوء الأحوال المناخية ومعانقة السلامة. كان الكلاوي قد شعر بنفوذه يتزلزل لما وصلت جحافل الصحراويين وأهل سوس إلى مراكش في أعقاب حركة المقاومة التي قادها أحمد الهيبة ضد الغزو الفرنسي. ولإنقاذ ذلك النفوذ وإنقاذ مختلف المصالح، بحث عن ظل جديد سرعان ما وجده في الحماية الفرنسية، التي تواطأ معها ضد حركة الهيبة وساعدها على دخول مراكش لينال الكثير مما كان يطمح إليه، ويصبح رمزا من رموز سياسة القياد الكبار التي وظفتها فرنسا في إطار ما سمي بـ«السياسة الأهلية»، وليصبح استنادا إلى ذلك أبرز وجوه ما كان يطلق عليهم نعت «سادة الأطلس».
إلى جانب مساندة الاستعمار، ناهض الكلاوي الحركة الوطنية منذ بداية ظهورها، فنكل برموزها وبكل من شايعهم في مراكش والجنوب، بحثا عن المزيد من رضا أولياء نعمته من الفرنسيين، فكان حادث طرده من المشور مهانا، بعد أن اعتقد نفسه زعيما، ولجأ إلى الإقامة العامة مكلوما يشكو من إهانته ويتوعد بالانتقام.
محمد معروف الدفالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 17 من مجلتكم «زمان»