بشكل مفاجئ يوم 11 مارس 2021 غزا خبر طارئ الإذاعات والقنوات التلفزيونية الوطنية. نادرا ما كانت السلطة التنفيذية جذابة للغاية، غير أن موضوع الخبر فرض نفسه. يتعلق الأمر بمشروع قانون ينظم زراعة القنب الهندي، أو “الكيف“ كما درج المغاربة على تسميته. في الواقع، كان الوضع الاقتصادي الجديد للقنب قيد الدراسة بالفعل، وكذا وضع المشتغلين به. شيء لا يصدق لكنه أصبح حقيقة، حين طرحت الحكومة مشروعا يستهدف إلغاء تجريم زراعة الكيف واستخدامه .ومما زاد الأمر إثارة وفضولا، أن المشروع جاء على عهد حكومة يقودها حزب “العدالة والتنمية“ ذو المرجعية الإسلامية.
بدأ القانون المذكور في التبلور منذ مدة، قبل أن يتم إسكانه، بشكل قانوني، في الأذهان خلال هذا المجلس الحكومي الذي لم يشبه سابقيه. وفي غضون ذلك، أصبح مصطلح إلغاء التجريم أكثر تداولا، ليس من خلال استخدامه إلى أقصى الحدود، بل من خلال حمولاته السيميولوجية.
في القراءة الأولى، يشير عدم التجريم إلى غياب القانون .وهنا يجب التوضيح مع التشديد على عدم الخلط بين عدم التجريم وغياب القانون، ما دام الأمر يتعلق بتقنين منتوج لأسباب علاجية في الأساس. هكذا، لن يكون إنتاج القنب أو المتاجرة به أو استهلاكه من الأعمال غير القانونية، وبالتالي لن يعود ضارا طبيا في نظر القانون.
لطالما عمدنا إلى استخدام استقلال البلاد كخط فاصل بين ما قبل وما بعد التسامح مع الكيف أو رفضه. لكن هذا الخط كان، دائما، أكثر افتراضية أمام قوة الواقع.
فقد استمرت زراعة الكيف بُعيد الاستقلال في بعض مناطق كتامة، قبل أن تتم، في نشوة إنهاء الاستعمار السياسي وإضفاء الطابع الأخلاقي على الحياة العامة، مطاردة مزارعيه قليلا في سنة ،1956 وهو اتجاه أكده الحظر المطلق للمخدرات في عام .1974
عندما نستحضر تاريخ الكيف، نعود إلى القرن التاسع عشر لمغرب مفتوح على الجهات الأربع، في الوقت الذي كان فيه استهلاك الكيف علامة على الانفتاح على المستعمِرين الذين كانوا لا يخفون إدمانهم عليه .في سنة ،1890 أثار انتباه السلطات الاستعمارية حفنة من القرى الصغيرة تسمى كتامة، في الريف، يُسمح لها بزراعة الكيف. هذا يعني أن كل شيء كان يقع تحت أنظار المخزن، الذي كان يتعامل مع عقلية الريفيين، بطريقة مختلفة، مقارنه مع الآخرين .لذلك، لم تكن زيارة السلطان مولاي الحسن الأول، في عام ،1887 إلى الريف استثناء .فقد اعْتُبر تسامحه مع زراعة الكيف “حقا“ تاريخيا غير قابل للتصرف.
في مستهل القرن ،20 سيطرت الشركة المغربية للكيف والتبغ، برأسمال فرنسي، على احتكار القنب في البلاد. ومنذئذ، استمر الشعور بالاختلاف في الثقافة في تنشيط الحياة السياسية لمدن وجبال الريف حتى زمننا هذا .واليوم، تتواصل الإثباتات العلمية حول مزايا النبتة واستهلاكها في أغراض متعددة. وقد أقرت منظمة الأمم المتحدة، يوم 8 دجنبر ،2020 بالفوائد الطبية للكيف.
هناك عاملان رئيسان يغذيان نقاشا حيويا للغاية: أولهما، زراعة الكيف من قبل آلاف العائلات التي تكسب قوتها منه والتي توارثته عبر أجيال. وثانيهما، المبالغ الهائلة الناتجة عن الاتجار فيه، إذ لم يعد سرا أن تجارة الكيف تدر الكثير من الأموال، تقدر بمئات المليارات من الدراهم، والملايين من العملات الصعبة. لذلك، قد يتحرك المستفيدون الكبار من إبقاء الوضع على ما هو عليه للتعبئة ضد المشروع، لأن المبرر الطبي قد يلحق بهم الخسائر وفقدان الامتيازات .وعليه، يجب أن تسمو الواقعية الاجتماعية والاقتصادية على كل شيء، حتى يربح سكان الريف معركتهم من أجل العيش الكريم، والذين يحاول البعض استمرار استغلالهم لحسابات سياسية غير مضمونة العواقب.
يتحدث تقرير دراسة نشرته صحيفة “لوموند ديبلوماتيك“ عن تقاعس السلطات في الرباط في التعامل بجدية مع الموضوع، مشيرا إلى أن 800 ألف نسمة، أي ما يماثل ثلثي العائلات الفلاحية الصغيرة في الريف، تمكنوا من تحسين حياتهم اليومية بفضل زراعة الكيف بدلا من زراعة الشعير. في أعقاب إلغاء التجريم، قد يتنفس صغار المزارعين في دواوير كتامة الصعداء.
لأن تقنين الكيف، بكل مظاهره وآثاره الاجتماعية، يمثل بديلا واعدا لتجاوز كل عوامل العزلة .بينما تعني معارضة هذا التقنين، منع سكان الريف اللحاق بالركب.
يوسف شميرو
مدير النشر