شهور قليلة فقط تفصلنا عن إتمام حزب العدالة والتنمية لولايته الحكومية الثانية، يحق لنا أن نستبق اللحظة وأن نقف بكل موضوعية بعيدا عن الانخراط في حمى الحملات الانتخابية لمحاسبة هذه التجربة، ومحاسبة هذا الحزب بالذات، فهو الذي قاد التحالف الحكومي لمرتين متتاليتين، وهو الذي منحته صناديق الاقتراع صلاحية تدبير وتسيير أغلب جهات المغرب ومدنه وقراه. من حقنا، إذن، العودة لسلسة الوعود التي أطلقها الحزب في برامجه الانتخابية سواء عام 2011 أو ،2016لنرى مدى تحولها إلى واقع بالمعطيات والأرقام بعد عشر سنوات كاملة من التدبير والتسيير.
لا يخفى على أحد سياق وصول الحزب للحكم، وما لعبه حراك 20 فبراير من دور في ذلك، حيث تم استدعاؤه على عجل لإطفاء الحريق، والعمل على تحقيق انتقال ديمقراطي تطبعه السلاسة والسلمية، تجنبا لما وقع من سيناريوهات في دول مجاورة لا تزال تعاني إلى اليوم من مخلفات ما سمي يومئذ بـ“الربيع العربي“.
لن أتحدث هنا عن الوعود الساذجة ولا عن المعارك الإيديولوجية التي كان يعلنها الحزب زمن المعارضة والبدعة المسماة بـ“المساندة النقدية“، من قبيل غلق الحانات، أو الاحتجاج على لباس صحفية تغطي وقائع الجلسات النيابية، أو التنديد بقبلة في فيلم لنبيل عيوش. فقد أدرك الحزب، بعد دخوله معتركات السياسة من أوسع أبوابها، أن أولويات المواطن تتجاوز هذه الآفاق الضيقة، والمناوشات الصغيرة، وأن اهتمامات المشارك في تدبير شؤون الدولة تختلف عن انشغالات الداعية والواعظ وخطيب الجمعة، وهو أمر يحسب لقيادة الحزب ودليل على النضج والاستفادة من التجارب المماثلة ومساراتها .لكن المواطن من حقه، بل من واجبه محاسبة الحزب على ما قدم من وعود انتخابية، وما رفعه من شعارات إصلاحية، فاختيار الشعب لحزب العدالة والتنمية ليقود سفينة الحكومة لمرتين متتاليتين، لم يكن إلا تصديقا لتلك الوعود وإيمانا بجديتها، كيف وقد تم تقديمها بخطاب فيه كثير من الشحن الإيماني، والاستشهاد بآيات القرآن ونصوص الحديث وحكايات بن تيمية.
رفع الحزب شعار “مكافحة الفساد والاستبداد“، فماذا تحقق من ذلك خلال عشر سنوات؟ نشر لوائح بعض المستفيدين من اقتصاد الريع في خطوة يتيمة غير مكتملة؟ ماذا غير ذلك وقد صرح رئيس الحكومة السابق بنكيران بأنه قد «عفاا لله عما سلف»، هل تفاعلت الحكومة مع عشرات الملفات المعروضة على القضاء وعشرات التقارير المنجزة من طرف المجلس الأعلى للحسابات؟ أين ما تحدث عنه البرنامج الانتخابي للحزب من تقوية مؤسسات الرقابة والمحاسبة وتكريس استقلالها وتفعيل توصيات تقاريرها؟ ما هي القوانين التي اقترحتها الحكومة لحماية المال العام ومكافحة الإثراء غير المشروع؟ لا شيء من ذلك قد تحقق .الأسوأ في الموضوع أن المغرب على عهد حكومة الإسلاميين لا زال يتراجع سنة بعد أخرى في التصنيف الدولي لمؤشر مدركات الفساد، فيما أن النقاش حول محاسبة المفسدين أضحى من ذكريات 2011 وتداعياتها.
وعد الحزب بتخفيض معدلات البطالة ومحاربة الفوارق المجالية والنهوض بالعدالة الاجتماعية، لكن هذه المعدلات ارتفعت من 8,9 سنة 2011 إلى 9,7 عام 2015 إلى 10,1 سنة 2020، فما مدى مصداقية تلك الوعود؟ وهل كان نية صادقة وواقعية أم مجرد وسيلة لجلب الأصوات؟، أين هي استراتيجيات التشغيل وبرامج إنعاشه؟ أين هي الآليات والإجراءات التي تربط منظومة التربية والتكوين بسوق الشغل؟ أين المليون و200 ألف منصب التي وعدت بها الحكومة في أفق 2021؟ كثير من هذه الوعود صار هباء منثورا.
وعدت الحكومة بوضع إصلاحات هيكلية، والتزمت بإصلاح صندوق المقاصة، وتمويل القطاعات الاجتماعية، ووضع قانون لحد أقصى للأجور بالإدارة والوظيفة العمومية، ما رأينا شيئا من ذلك سوى القرارات التي استهدفت المواطن وقدرته الشرائية، وارتفاع أسعار المحروقات ومعها كل مواد الاستهلاك، مع تراجع مستويات النمو الاقتصادي، ودخول كثير من هذه الوعود لقاعة انتظار بلا نهاية.
رفع الحزب شعار “مغرب الحرية والكرامة والتنمية والعدالة“، لكنه لم يكن مناضلا حقيقيا عن هذه الأماني، بل إنه كان شريكا في عدد من القضايا المرتبطة بخرق حقوق المواطنين، وبتقييد الحريات وتضييق هوامشها، كما لا نجد له أي أثر أو مطالبة بتغيير عدد من القوانين أو تعديلها بما يتوافق مع مفاهيم الحرية والحقوق في سياقها الحالي، فماذا استفاد المواطن حقوقيا من ولايتين متتاليتين؟
تبخرت كل هذه الأحلام، واندثرت معها كل الوعود، وفشل إخوان بنكيرا ن والعثماني في الاستجابة لتطلعات المغاربة، وما يزيد الأمر سوءا، هو أن “العدالة والتنمية“ تحول من حزب استثنائي منحه الشعب الثقة مرتين متتاليتين، إلى حزب عادي، يطبق وعودا زمن المعارضة والحملات الانتخابية، ثم لا يلبث أن ينفك منها بمجرد تقلد المناصب، وهو ما سيزيد في تعميق الأزمة بين المواطن والمشاركة السياسية، وما سيعرقل أي جهد نحو مغرب أفضل.
محمد عبد الوهاب رفيقي
كاتب رأي