يعود البروفيسور إدريس الموساوي، في هذا الحوار، إلى البدايات الصعبة في عمله داخل الجناح 36 بالمركز الجامعي ابن رشد للطب النفسي في الدار البيضاء. ويكشف الموساوي، الذي كان أول طبيب داخلي بالمركز الجامعي ابن سينا بالرباط اختار الطب النفسي كاختصاص، عن الأوضاع المأساوية واللاإنسانية التي كان يعرفها الجناح، قبل أن يبادر شخصيا إلى التفكير في حلول بديلة، من خلال تأسيس جمعية تعنى بالصحة النفسية، والارتباط بفنانين ومحسنين، لتمويل ما يحتاجه الجناح من تجهيزات.
هل لكم أن تحدثونا، بداية، عن حالة «جناح 36»، قبل أن تتحملوا فيه المسؤولية؟
أولا، تسمية «ترونت سيس» نعتبرها، كمهنيين، سبة تسيء لنا وللمرضى ولعائلاتهم على حد سواء.
وقبل الحديث عن حالة جناح 36 بالمركز الجامعي ابن رشد للطب النفسي في مدينة الدار البيضاء، يجدر بي تسليط الضوء على أوضاع وطرق علاج المرضى النفسانيين في المغرب، الذين كانوا يقيمون فيما كان يعرف بالمارستانات، وهنا أشير إلى أنه في سنة 1911، حل بالمغرب طبيبان فرنسيان هما لوف وسيريو، بتكليف من وزارة الداخلية في بلادهم، قصد تقييم وضعية المرضى النفسانيين في الإمبراطورية الشريفة. وهكذا زارا مارستان سيدي إسحاق ومارستان سيدي فرج…
في أي مدينة كان يوجد هذان المارستانان؟
الأول في مدينة مراكش وأغلق في عام 1930 بعدما تعرضت أجزاء منه للهدم، والثاني في فاس، وبقي يشتغل إلى حدود 1944، وهي السنة التي أتت عليه النيران ولم يتبق منه شيء، وفيه كانت فرقة أندلسية، إلى حدود إغلاقه، تحيي حفلا أسبوعيا لفائدة النزلاء، وكان أعضاؤها يتلقون تعويضا من الأحباس. لوف وسيريو زارا، أيضا، مارستانات مدن طنجة وتطوان وسلا ومكناس، وكان فيها المرضى، كما في مراكش وفاس، يقيمون في ظروف مزرية ولا إنسانية، إذ كانوا يربطون بالسلاسل الحديدية. وأذكر، هنا، أنهما كتبا تقريرا، عند نهاية مهمتهما، يثيران فيه الظروف الفظيعة التي كان يعيش فيها نزلاء المارستانات المغربية، قائلين إن الحراس لم يكونوا يعرفون لا عدد النزلاء ولا أسماءهم، وكان من بينهم مشردون وعاهرات، إلى حد أن مركزا يعنى بالصحة النفسية في باريس، علق على تقرير لوف وسيريو بالقول: «هذا ما تبقى من العهد الذهبي للطب العربي».
لنعد إلى جناح 36، كيف كانت وضعيته قبل أن تعينكم وزارة الصحة رئيسا له؟
في عام 1976، قررت وزارة الصحة أن تغلق مستشفى «العنق» الخاص بالأمراض النفسية، وتفتح ما سمي فيما بعد بجناح 36 في المركز الطبي الجامعي ابن رشد. وكان العنق، في الأصل، ثكنة عسكرية غادرها الفرنسيون في عام 1918، وأقاموا فيها مستشفى خاصا بأمراض السل، والأمراض النفسية والأمراض الجلدية المعدية، خاصة الجذام. وكان أول من ترأس جناح 36 هي الدكتورة الفرنسية إيلينو، وتعود أصولها إلى جزيرة لا مارتينيك. كانت الدكتورة إيلينو متخصصة في التحليل النفسي، وترتبط بعلاقات صداقة مع عدد من الفنانين المغاربة، الذين كان من بينهم المسرحي الراحل الطيب الصديقي، لكنها غادرت بعد عامين فقط أو أقل… ربما لم تستطع تحمل ذلك الوضع الكارثي الذي كان سائدا في المستشفى.
حاوره عمر جاري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 30 من مجلتكم «زمان»