شكلت قضية تحرير الأسارى المسلمين بإسبانيا القضية المركزية لرحلة السفير بن عثمان الذي أشار إلى أن المبادرة المغربية خدمت بالأساس الأسارى الجزائريين.
ولد أبو عبد الله محمد بن عثمان الشهير بالمكناسي بمدينة مكناس أواسط القرن الثامن عشر الميلادي من أسرة علم حيث كان والده واعظا بأحد مساجد المدينة، وخلفه ابنه في نفس المنصب وهو لا يزال في طور الشباب. وهناك أظهر تميزا ونبوغا، ففتحت له أبواب الترقي في الخدمة المخزنية حيث كلفه السلطان سيدي محمد بن عبد الله بمهمة سرد الكتب بالقصر السلطاني، ثم عينه بعد ذلك كاتبا بحضرته.
كلف بعد ذلك بمهمة دبلوماسية، وهي موضوع رحلتنا، إذ أوفده السلطان نفسه سنة 1779 إلى ملك إسبانيا كارلوس الثالث لعقد معاهدة لتجديد الصلح بين الدولتين ولافتكاك الأسرى الجزائريين الذين كانوا بإسبانيا، ألف بشأنها كتبا ضمنه نص رحلته عنونه بـ”الإكسير في فكاك الأسير”. وبعد رجوعه من سفارته إلى إسبانيا، عينه سيدي محمد بن عبد لله وزيرا.
خلال فترة حكم المولى اليزيد، التي اتسمت بحصار سبتة، حاول بن عثمان أن يلعب دور الوسيط الساعي إلى تطويق الأزمة التي اعتبرها عابرة في وقت كان سلطان البلاد يعتبرها مسألة مصيرية. وأمام تأزم الوضعية، اقترح كارلوس الرابع على مولاي اليزيد الدخول في التفاوض وأن يرسل مبعوثا عنه، مفضلا أن يكون ابن عثمان هو الذي يقوم بهذه المهمة وهو ما حصل يوم 11 دجنبر 1790. لكن لما تبين للمولى اليزيد أن سفيره ابن عثمان حاد عن التوجه المرسوم له، أعفاه وكلف الأمير مولاي علي خلفا له. بيد أن السفير لم يرجع في الحين، وأخذ يحاول حل المشاكل بين الدولتين حتى وجه مولاي اليزيد يكلفه من جديد بالسفارة. وبعد تولية المولى سليمان أصدر أمره بتعيين بن عثمان مكلفا بجميع أمور أجناس النصارى. توفي ابن عثمان أواسط سنة 1799 بسبب وباء الطاعون.
الطيب بياض
تتمة المقال تجدونها في العدد 1 من مجلتكم «زمان»