ما الذي جعل من محمد ابن تومرت رجلا سياسيا نجح في التعبئة لإزاحة نظام حكم قائم واستبداله بآخر؟ وكيف أقنع أتباعه ومن حوله بأنه رجل استثنائي قل نظيره؟
تأسس الحكم الموحدي على أساس الصراع مع المرابطين، إذ استطاع الخليفة عبد المؤمن بن علي الكومي خلال القرن 12م، بناء دولة امتدت خارج المغرب الأقصى. وقد قامت هذه الدولة على فكر رجل قلب الموازين على المستوين السياسي والذهني، هو محمد بن تومرت المعروف بالمهدي بن تومرت. كيف إذن قامت الدولة الموحدية على أسس فكر ابن تومرت؟
ما تزال شخصية ابن تومرت يكتنفها الغموض وتحوم حولها الروايات وتتداخل الأساطير؛ فحياته وتصرفاته كانت لا تخلو من “دلالات“ رمزية، اعتمد عليها الرجل بشكل دقيق في دعوته، وأصبح زعيما روحيا وسياسيا، لم يشهد المغرب نظيرا له.
في البداية، لنتوقف عند الظروف الذي جعلت من هذا الرجل يقلب أوضاع المرابطين ويخلخل بنيتهم السياسية. فقد كان لهؤلاء حكم مركزي كلما اتسعت نفوذه الجغرافية كلما تنوعت رعيته. هذا التنوع أحدث تفاوتا في المجتمع الديني والسياسي، أذكاه ابن تومرت بدهاء وحنكة فريدة.
غاب ابن تومرت عن المغرب حوالي 15 سنة، ثم عاد إليه سنة 1120م محملا بأفكار دينية «أكثر صلابة وحدة» لم يألف عليها المغاربة، ولا قبِل بها حكام المرابطين وفقهاؤهم .فبرز كرجل ثائر على الحكم في عصره وعلى التقاليد، والأخلاق السائدة في المجتمع .وتصف المصادر بأنه عاد إلى المغرب من مقامه الطويل بالمشرق وبالأندلس، بعدما تلقى العلم وتأثر بالأشعرية، وعاش الصراع المذهبي هناك. وخلال رحلة عودته، كان يتوقف في كل بلد، فيمكث فيه فترة من الزمن يعظ الناس ويدعوهم لترك المنكرات والبدع، فذاع شأنه بحكم فصاحته وتمكنه من العلوم الشرعية. وكان لا يترك بلدا أو مدينة إلا وتداول الناس أخباره وما يدعوه إليه. لم تنجح دعوته كما أراد، إذ تعرض للقبول تارة وللسخط والمطاردة أحيانا كثيرة، فقرر العودة إلى بلده المغرب ونشر الدعوة من مركز الدولة المرابطية: مراكش.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 100 من مجلتكم «زمان»