العديد من تفاصيل حياة ابن يَجَّبْش يغشاها الظل، ولا غرو أن الغموض الذي يظل محيطا بمنعرجاتها، مرده أن صاحبنا كان من العلماء العاملين، وهذا صنف من العلماء نادرا ما يُلتفت إليهم من أصحاب المصادر، فهم يشكلون نشازا في المشهد العلمي والسياسي والاجتماعي، ويحرجون الأغلبية الصامتة المدافعة عن مصالحها وامتيازاتها، ومن هنا أحاط الإهمال حياته وإنتاجه إلا من قليل.
لا تفصح المصادر عن ميلاد ابن يَجَّبْش، والراجح جدا أن قلة الكتابات في الزمن المضطرب الذي عاش فيه (النصف الثاني من القرن 9هـ/15م، والعشريتين الأولى والثانية من القرن 10هـ/16م) يد في ذلك، وإن كان تاريخ الميلاد خلال العصور الوسطى نادرا ما تسجله المصادر حتى لو كانت من جنس التراجم والمناقب التي يفترض أن تدرجه ضمن تراجم الفقهاء والصلحاء. لم يغب فقط تاريخ الميلاد، الذي بدا أمرا بديهيا، وإنما، لم تتفق المصادر على مكانه؛ فإذا كان البعض يجعله تازِيَّ المولد، فإن آخرين يجعلون مكان ميلاده بعين الحوت نواحي تلمسان، قبل أن تنتقل أسرته إلى قبيلة تسول نواحي تازة، ومنها إلى المدينة نفسها، وليس ثمة مصادر تحسم في الموضوع. لم تتفق المصادر على اسم العالم والصوفي الذي يهمنا التعريف به، فهو أحيانا أبو عبدا لله مَحمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن، وأخرى محمد بن عبد الكريم، تضيف إليه المصادر أحيانا التازي نسبة للمكان الذي عاش فيه وأُقبر. ويبقى هذا الاختلاف “بسيطا“ مقارنة مع رسم كنيته التي وقع فيها اختلاف كبير جدا في كتب التراجم والمناقب، حتى كأننا لسنا أما شخص واحد؛ فهو تارة ابن بَحْبش وأخرى ابن يُحْبش أو ابن يجيش، بينما ورد في ظهائر توقير واحترام علوية ابن الجبش وكذا ابن يَجَّبْش، والرسم الأخير هو الذي تم اعتماده من طرف أبي بكر البوخريصي الذي اجتهد في هذا الموضوع، لاسيما أنه عثر على هذا الرسم في نسخ من كتابيه “تنبيه الهمم العالية على الصدقة والانتصار للملة الزاكية وقمع الشرذمة الطاغية” (مخطوط بخزانة جامع تازة الأعظم)، و“إرشاد المسافر للربح الوافر“، وكذا في قصيدته الموسومة بالمنفرجة. وهذا التضارب في كنية صاحبنا ليس استثناء بالنسبة لكنى العديد من علماء العصر الوسيط وصلحائه، لعدم حرص بعض أصحاب المصادر تحري الدقة فيما يكتبون.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 128 من مجلتكم «زمان»