لم يكن شباب مغرب العصر الوسيط، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، أحرارا في اختيار العزوبية أو الاقتران برفيق) ة) العمر لتكوين الأسرة، بل كان الوسط الذي يعيشون فيه هو الموجه والمؤطر.
حظي الزواج في المجتمع المغربي خلال العصر الوسيط بنظرة إيجابية، حيث حض هذا المجتمع على الانخراط فيه لما يترتب عنه من فوائد دنيوية وأخروية، وفق الرؤية الفقهية التي أحاطت بثقافة ذلك العصر، ولما يخوله للمنخرط فيه من الذكور من ارتياد عالم الرجال، الشيء الذي «أضفى على الزواج طابعا دينيا واجتماعيا في الآن نفسه». وتتجلى هذه المكانة الرفيعة للزواج في نظرة معاكسة لحياة العزوبية، فقد نظر المجتمع إلى العازب نظرة ارتياب و«شك في سلوكه الاجتماعي»، ولم تبق المرأة العازبة بدورها في منأى عن تساؤلات المجتمع عن «أسباب بوارها»، وإن كانت غير مسؤولة عن وضعيتها تلك ما دام أن الرجل كان هو المبادر للزواج لا المرأة، سوى في حالات استثنائية، وهذا ما شكل ضغطا اجتماعيا على العزاب لدفعهم إلى الخروج من عالم العزوبية والانخراط في مؤسسة الزواج.
لم يكن الزواج في المجتمع المغربي خلال العصر الوسيط شأنا فرديا، «يعبر فيه الشخص عن ميولاته واختياراته الخاصة»، بل على العكس من ذلك تماما، كان المجتمع هو من يؤطره سواء داخل الأسرة الممتدة، أو الطائفة الاجتماعية، أو القبيلة، فهذه العناصر مجتمعة كان لها الكلمة العليا في تحديد الزوج أو الزوجة المراد الارتباط بها؛ ففي الأرياف، التي شكلت غالبية المجال المغربي خلال الحقبة المدروسة، كان ضغط القبيلة حاضرا بقوة في تحديد مصير زواج أفرادها وفق الأعراف التي سطرتها، ولعل هذا الضغط كان في جزء كبير منه ناتجا عن خشية القبيلة انتقال بعض من أملاكها إلى أطراف من خارجها لا سيما في ظل اقتصاد طبع بالقلة. لذلك، أقرت زواجا داخليا عادة ما كان يتم بين أبناء العمومة فيما بينهم. وفي هذا السياق، يمكن فهم الأهمية الكبيرة التي كان يوليها مجتمع القبيلة للنسب، حيث ذاعت «بعض الأفكار والعادات التي كانت تنظر لزواج أفراد بعض القبائل من غير نسبها أمرا مستهجنا، وجالبا للعار» .لكن هذا لم يمنع من حدوث استثناءات، تؤكد القاعدة.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 121 من مجلتكم «زمان»