احتكم المغاربة عبر التاريخ إلى مرجعيات مختلفة لتنظيم شؤون أسرهم، سواء عبر العادات والأعراف، أو من خلال الفقه الإسلامي بعد دخول الإسلام للمنطقة، ثم عبر القوانين الحديثة التي ارتبطت دوما بالموروث الإسلامي، رغم محاولات عدد من الفعاليات جعلها أكثر مدنية ومراعاة لتطور المجتمع، فما هو مسار تقنين أحكام الأسرة عبر مختلف فترات تاريخ المغرب؟ وما أبرز القضايا التي أثارت جدلا دينيا ومجتمعيا؟ وما هي آفاق التعديلات المرتقبة؟
كان الاحتكام إلى قضايا الأسرة قبل الإسلام يعود إلى العادات والأعراف القبلية السائدة، وليس هناك قانون موحد يتم الرجوع إليه. ومع دخول الإسلام للمنطقة، كان القضاة والحكام يعودون في أحكامهم إلى الفقه المالكي، رغم أن ذلك لم يكن سلوكا عاما يشمل كل جهات المغرب، فكانت بعضها خصوصا الحواضر منها تخضع لمذهب مالك، فيما تخضع الجهات الأخرى لخليط من الفقه والأعراف والعادات، وكان للقاضي سلطة الحسم اعتمادا على الفتاوى الصادرة من الفقهاء .وفي حال عدم الوصول إلى حل، أو التظلم من أحد المتقاضين، يرفع الأمر إلى قضاء المظالم، والذي يتولى الفصل فيه السلطان نفسه أحيانا، أو من يوكله من القضاة. كان القاضي قبل زمن الحماية الفرنسية هو صاحب الولاية العامة في الجماعة، ويلزم بمقتضاه بالحكم وفق المذهب المالكي وبالراجح منه، أو القضاء بالمشهور وما جرى عليه العمل، ويكون ذلك مضمنا ضمن ظهير التعيين؛ فقد جاء مثلا في ظهير تعيين أحمد بن الطالب بن سودة قاضيا على مدينة طنجة من قبـل السـلطان الحسن الأول: «وأذنا له في تصفح الرسوم والفصل بين الخصوم والحكم من مذهب مالك بالمشهور». وجاء في ظهير صادر عن السلطان سيدي محمد بن عبد لله: «نأمر سائر القضاة بسائر إيالتنا، أن يكتبوا الأحكام التي يوقعوا بين الناس في كل قضية، ولا يهملوا كتابة الحكم في شيء من القضايا. ولـيكن المكتـوب رسمين، يأخذ المحكوم له رسما يبقى بيده حجة على خصمه، إذا قام عليه يوما ما. ويأخذ المحكوم عليه رسما، لـيعلم أن القاضي حكم عليه بالمشهور. ويجب على كل قاضي من القضاة أن يعمل بموجب ما ذكرناه، ويقف عنـد مـا رسمناه». وحسب عبد المجيد غميجة في كتابه المهم “موقف المجلس الأعلى من مدونة الأحوال الشخصية“ فقد كان القضاة قبل الحكم يرجعون إلى أمهات الكتب الفقهية في المذهب وكتب الفتاوى والنوازل، ولم يكن هناك مرجع موحد يعتمد عليه القضاة في الحكم، وهو ما دعا عددا من الفقهاء ومنهم أبي سالم العياشي والحسن اليوسي إلى الدعوة إلى تدوين المشهور في المذهب، بل وفي المذاهب الأربعة.