حرصت بعض النساء المغربيات، في أواخر العصر الوسيط، على الوشم والذهاب باستمرار إلى الحمام والإفطار في رمضان كوسائل للزينة والاعتناء بالجسد، وذلك ما أثار حفيظة فقهاء الوقت.
يرتبط الاهتمام بموضوع الجسد في حقل التاريخ بتاريخ العقليات ذي الصلة بالتمثلات الجماعية غير الشعورية باعتبار الجسد حمالا لمجموعة من الرموز المنتجة للعديد من المعاني من داخل الثقافة التي يوجد فيها، ولكونه المرتع الفعلي لمجالات المتخيل جماعيا كان أم فرديا، ناهيك عن العلاقة الوطيدة بين الجسد والصورة، ومن ثمة بين الجسد والتصور والمتخيل.
ولم تول غالبية الأجناس المصدرية الجسد الأنثوي ما يستحقه من اهتمام، ولم يحضر إلا بوصفه موضوعا عرضيا. وما كتب عنه يتداخل فيه التشريعي بالتاريخي بالتخيل الحكائي، ويتزاوج فيه التشريعي والأدبي والاجتماعي مع غلبة الأولين. على أن إحجام المصادر عن تدوين تاريخ الجسد الأنثوي راجع لكون ثقافة الجسد غالبا ما كانت شفوية باعتبارها جزءا من الثقافة الشعبية التي لم تجد طريقها إلى سجل المكتوب إلا نادرا. دون أن ننسى غياب فَنَّي الرسم والنحت عن الجسد في العالم الإسلامي مما يزيد من تعقيد الموضوع. وتبقى الذهنية الفقهية التي طبعت المصادر أحد أسباب ندرة الكتابة في الموضوع، لكون الفقهاء كثيرا ما آثروا السكوت عنه، لأن الإسلام أمر بستر جسد الإنسان حيا وميتا. والظاهر أن هذه الذهنية هي التي أطرت أقلام المؤلفين عصرئذ. ومهما يكن، فالمتوفر عن واقع الجسد وصوره وتمثلاته كتب من طرف رجال، جلهم متشبعون بذهنية فقهية تنسجم مع ثقافة العصر الذي عاشوا فيه. إننا إذن أمام تمثلات الرجل لجسد المرأة وصوره عنها، ومن ثمة تغيب علينا صور المرأة لجسدها وتمثلاتها عنه.
اعتناء المرأة بجسدها
جرت العادة أن يتم الحديث عن اعتناء المرأة بجسدها باعتباره من مقومات شخصيتها، لكن الظروف التي عاش فيها طرف مهم من النساء القرويات المغربيات خلال الحقبة المدروسة، جعل اعتناءهن بأجسادهن محاطا بالعديد من الصعوبات، نتيجة الأعمال التي كن يقمن بها. فقد وصف الوزان نساء جبل دادس بـ«كريهات المنظر كالشياطين، لباسهن أسوأ من لباس الرجال، وحالتهن أقبح من حالة الحمير، لأنهن يحملن على ظهورهن الماء الذي يسقينه من العيون، والحطب الذي يحتطبنه من الغابة دون أن يسترحن ولو ساعة من نهار». ووصفهن مارمول بـ«قبيحات المنظر، قذرات منتنات». مثلما نعت نساء بني ورياغل بالـ«غير النظيفات». لم يكن عدم الاعتناء بالجسد مقصورا على المجال الريفي، بل عرفته المدينة أيضا، فقد لوحظ أن بعض الزوجات كن يهملن أنفسهن إلى درجة ينفر الزوج منها.
لم يكن عدم اعتناء المرأة بجسدها عاما، فقد جاء في كتب الجغرافيا والرحلات والنوازل ما يثبت اهتماما خاصا للمرأة بجسدها من خلال الاهتمام بالزينة من حلي ولباس وطيب ومواد تجميل ووشم واعتناء بالجسد من خلال الذهاب إلى الحمام، حيث اعتادت النساء إظهار محاسن أجسادهن فيه.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 16 من مجلتكم «زمان»