من أجل سبر غور مفهوم ”الحرية “في السياق الإسلامي العربي، ولتتبع مظاهر المفهوم في أحد الحقول المعرفية، يستوجب الأمر منا الوقوف عند ما كتبه الباحثون عن الموضوع. في السطور التالية، نقرأ مقتطفا مما كتبه عالم الاجتماع المغربي محمد الناجي عن “الحرية”، في إطار حديثه عن ”حقل العبودية “ضمن كتابه الشهير ”العبد والرعية”.
إلى أي شيء تشير كلمة “الحر“؟ هل يصل العبد المعتق حقيقة إلى مثل هذه الوضعية؟ فعل “حرّ“، الذي يشير إلى كون المرء يصبح حرا، يدل على واقعين مختلفين: أحدهما يهم الحرية الحقيقية، حرية الفرد غير المنتمي إلى سلالة الرق، أما الواقع الثاني الذي يعبر عنه الاشتقاق “الحرار“، هو المتعلق بالعبد المعتق. مساران اثنان حرصت الذاكرة الاجتماعية على استمرار ذكراهما المتواصلة.
وبتتبعنا للفظة “حرية“ في سياق العصر، نلمس تعقدها واختلافها عن التصور الذي تقدمه المجتمعات الحديثة. المحرّر هو المعتق، واللفظ نفسه يستعمله النص القرآني للإشارة في الممارسات اليهودية إلى شخص يهب نفسه للصلاة وخدمة المعبد، والمحرر من كل شكل من أشكال الرق الأرضي، وهو الذي يطلق عليه اسم «النذر»، وهي الرغبة التي كان يوجهها الآباء إلى الآلهة لوضع أبنائهم في خدمتهم، والتي عبرت عنها مريم العذراء .قالت امرأة عمران: ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ .إنه نوع من العمل الصالح، وزهد لفائدة المؤسسة الدينية. وقد كان للأبناء المعنيين عند فترة بلوغهم الاختيار بين الالتحاق بالعالم أو الالتزام بمهمتهم الدينية. المحرر هنا بعيد عن مفهوم الحرية لذاته وفي ذاته؛ الحرية مرتبطة بالعبودية التي يمليها الواجب إزاء الآباء.
فعل «حرّر» يعني عملية تحرير نص معين، وتصحيحه وتنقيحه درءا لأي خطأ محتمل، وكذا تنظيفه ليغدو خالصا. ومن ثم، الحرية هنا هي الصفاء. إن الطين الحر هو الذي لا يكون مشوبا بأي حصى رملي، ولا أية حجارة، ولا الوحل ولا أية عيوب أخرى. ومن ثم فالرجل الحر هو الحر الخالص «لنفسه ليس لأحد عليه تعلق».
محمد الناجي
تتمة المقال تجدونها في العدد 116 من مجلتكم «زمان»