شكل الخبز، على مر التاريخ، عنصرا أساسيا في موائد مختلف العائلات المغربية، غير أن ما يمكن أن يدخل في تركيبته يكرس التمايزات على المستوى الاجتماعي، وأيضا على المستوى الجغرافي.
يقع موضوع الأطعمة في ملتقى علوم متعددة، إنسانية كالتاريخ والأنثروبولوجيا، وطبيعية كالبيولوجيا وعلم الزراعة. ويسهم التاريخ، في المدة الأخيرة، إسهاما كبيرا في فهم القضايا المرتبطة بهذا الموضوع بأبحاث هامة انطلاقا من مناهج معلومة، بعيدا عن كل اعتبار طريف أو مثير، إذ أبانت الدراسات عن خصوبة البحث في هذا الميدان، ومدَّت الجسور بين الماضي والحاضر لأجل إدراك السلوكيات الغذائية في ثوابتها ومتغيراتها. فمن خلال الأطعمة والأشربة، الأصيلة منها والدخيلة، يمكن فهم بنية المجتمع، ونمط الاقتصاد، ومجموع القيم. هذا ما تختزله المقولة الألمانية الشهيرة «قل لي ماذا تأكل، أقول لك من أنت».
من الناحية الزراعية، يعتبر المغرب والحوض المتوسط بشكل عام، منطقة لإنتاح الحبوب بامتياز، قمحا وشعيرا. ولذلك فإن الخبز المصنوع بخميرة أو بدونها شكَّل، على مدى التاريخ، طعاما أساسيا لا محيد عنه. حتى اليوم، وبالرغم من التحسن النسبي لمستوى العيش في المدن بالخصوص، حيث حصل تنوع ملحوظ في المأكولات، لازال للخبز حضور قوي على المائدة.
على مستوى الدلالة، من الوجهة التاريخية الصرفة، منذ العصر الوسيط حتى بداية القرن العشرين، أي حتى دخول البنيات الحديثة عن طريق الاستعمار الأوربي، كلمة «خبز» لم تكن تعني فقط ما هو محضَّر من العجين، ومطهو في الفرن، بل كانت تشير إلى كل الأطعمة، اللينة منها والسائلة، كالعصيدة المرتبطة بالحبوب المفرومة أو المطحونة، والحساء المتصل بالقطاني، لاسيما العدس والفول، التي تطلق عليها النصوص اسم «أخباز القطنية». في حين كانت أخباز الحبوب والقطاني هذه مصحوبة بالزيوت (زيت الزيتون أو زيت أركان)، أو الفواكه أو الخضر، أو السمن واللحم، تحمل أسماءً أخرى، في مقدمتها الطعام، إذ تتحدث المصادر التاريخية عن «أصناف الطعام»، و«الطعام الغليظ والطعام الرقيق»، و«إطعام الطعام»، و«الطعام المولوي».
محمد حبيدة
تتمة المقال تجدونها في العدد 5 من مجلتكم «زمان»