أعادت فعاليات ”الشان”، التي أقيمت بالجزائر مؤخرا، سيناريوهات حدثت بين الجانب المغربي والجنوب إفريقي، إذ عادت ”البوليساريو” كورقة للمزج بين الرياضة والسياسة.
احتضت الجزائر فعاليات كأس إفريقيا للمحليين المعروفة اختصارا بـ“الشأن“ على وقع فضيحتين: الأولى أنها “منعت“ المغرب من المشاركة في هذا الحدث الكروي، والثانية أنها سمحت لزويليفليل مانديلا، حفيد أيقونة النضال الإفريقي نيلسون مانديلا، بأن يلقي خطاب الافتتاح بعبارات تمس الوحدة المغربية. وكانت الفضيحتان قائمتين على اعتبارات ومبررات سياسية “عدائية“ محضة. رغم قطع الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، منذ حوالي سنتين، فالأخير لم يعتزم مقاطعة حدث كروي مثل “الشان“، ولهذا الغرض استعد المنتخب المغربي للمحليين للمشاركة، واشترط أن يسافر المنتخب عبر الخطوط الجوية المغربية، بيد أن الجانب الجزائري أراد تضييق الخناق أكثر وتعنت برفض شرط المغرب. هذا في ما يخص الأحداث قبل افتتاح “الشان“، ثم جاءت الفضيحة الثانية؛ هي استضافة الجزائر في حفل الافتتاح حفيد مانديلا عن قصد. بل وأوعزت إليه لكي يلقي خطابا “مدفوع الأجر“ كما تقول مصادر، دعا فيه لما أسماه بـ«تحرير الأراضي الصحراوية بالمغرب»، وهو تعبير ينم عن تلاعب بالحقائق واتفاق مسبق مع السلطات الجزائرية، ناهيك عن أنه خطاب لا يمس بالحدث الرياضي بصلة. استنكر المغرب من جهته، ووجهت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مراسلة للكاف (الاتحاد الأفريقي لكرة القدم) بهذا الخصوص لفتح تحقيق في الموضوع .لكن ما الذي يستنتج من هذا الحادث في ما يخص علاقة جنوب إفريقيا بالمغرب والبوليساريو؟
يذكر ما قام به حفيد مانديلا بموقف بلاده من الجزائر والمغرب والبوليساريو قبل عقود طويلة. وتعود أطوار الحكاية إلى جده المناضل الإفريقي وعلاقته بالمغرب والبوليساريو. ويبدو أن ارتباط السياسة بالرياضة يتكرر مرة أخرى، ولا تنفك الجبهة الانفصالية تستعمل كورقة ضغط.
تحفظ ذاكرة القارة السمراء أن المغرب وقف دائما إلى جانب جنوب إفريقيا ورمزها الوطني نيلسون مانديلا في كل أزماته، من خلال احتضان لقاءاته النضالية مع جبهة التحرير الجزائرية ودعمهم بالسلاح بمدينة وجدة المغربية في سنة 1962. وما تزال الشواهد قائمة بين علاقة الدكتور الخطيب بالزعيم ماديبا كلما حط الرحال بالمملكة، وكلما احتاج حزبه “المؤتمر الوطني الإفريقي” للمال والسلاح.
ما تزال جنوب إفريقيا حاليا ضمن الدول القلائل التي تعترف بجبهة البوليساريو. لكن يأتي موقفهم “المعادي“ تجاه المغرب هذا نتيجة تراكمات دبلوماسية حدثت في السنوات التي كان فيها مانديلا سجينا (بين 1990-1962)، حيث مال المغرب حينها إلى بعض خصوم الجنوب الإفريقيين، وخصوم مانديلا ممن قادوا البلاد أثناء غيابه، بالتحديد في سنوات السبعينات والثمانينات. وبعد خروجه من السجن بشهور، زار مانديلا المغرب، بدعوة من الحسن الثاني. ثم «ساءت العلاقة» بعد وفاة الحسن الثاني؛ إذ تزامن رحيل الملك مع ابتعاد مانديلا عن رئاسة بلاده، ومع عودة بعض الأصوات المعادية للمغرب والميالة للجزائر والبوليساريو. وفي سنة ،2003 جاء حدث كروي ليذكي توتر العلاقة بين البلدين أكثر؛ بسبب التنافس على تنظيم كأس العالم لسنة .2010 وهنا استغل الجانب الجنوب إفريقي فرصة السياسة للنيل من المغرب وضرب أحقيته وصورته أمام العالم، من أجل نزع تنظيم الحدث الكروي منه. ووجد ماديبا نفسه مضطرا للعب بورقة البوليساريو والظفر بالحدث الكروي العالمي، فاعترفت بلاده سنة 2004 بالجبهة الانفصالية واستعملت كورقة ضغط “دبلوماسية رياضية“ وقد نجحت في ذلك. لكن إلى جانب حدة التنافس الرياضي، تقول بعض التقارير الإعلامية والاقتصادية إن جنوب إفريقيا (ثالث أكبر اقتصاد بالقارة)، أضحت اليوم متخوفة من تمدد الاقتصاد المغربي (خامس اقتصاد إفريقي) واستراتيجيته للتوغل داخل القارة السمراء نحو أقصى جنوبها.