لم يقتصر دور الشيخات، فقط، على حفظ متون تراثية، غالبا ما كانت تمتح من المعيش اليومي، بل كن في الغالب ما يمثلن صوت القبيلة.
اتسم التراث المغربي بغزارته وتنوع فنونه وتعبيراته، خلدته آثار أو ما بقي من شواهد دالة ومعبرة عن رصيد حضاري ضارب في القدم. وعندما يتم استحضاره اليوم، يجري التمييز فيه أحيانا بين المادي وغير المادي، أو بين المدون والشفهي، وغيرها من مستويات التمييز، غير أنه لا يجري قياسه أو تقسيمه وفق مقاربة النوع أو الجنس، بين تراث ذكوري وآخر نسائي، لأنه بكل بساطة تراث الإنسان المغربي في تفاعل وتكامل بين الرجل والمرأة. ومثلما حضرت هذه الأخيرة في إرثنا وتراثنا وتاريخنا على المستوى السياسي أو الجهادي أو الصوفي بنماذج متعددة، حضرت أيضا على المستوى الفني والإبداعي بتعبيرات متعددة بتعدد الأنساق الثقافية والممارسات الفرجوية والاحتفالية الخاصة بكل منطقة. وضمن هذا الزخم التراثي، حضر تعبير فني تماهى مع أداء غنائي نسائي، بصما معا على “تاريخ صوتي” يعود للعصر الوسيط، ويمتد مجاليا ليشمل رقعة مهمة من جغرافية انتشار القبائل العربية، يتعلق الأمر بفن العيطة وأداء الشيخات.
انتشر فن العيطة وتنوع بين العبدي أو الحصباوي والحوزي والملالي والمرساوي والزعري والجبلي والغرباوي والفيلالي، وهي فروع لأصل واحد، مادام ما يجمعها أكثر مما يفرقها، فهي إذن تعبير عن مفرد اسمه العيطة بصيغة الجمع أو التعدد المرتبط بخصوصيات محلية، كما يذهب إلى ذلك الباحث حسن نجمي. ومع هذا التعدد الذي يعكسه تنوع في التسميات، يحضر مسار وتاريخ طويل لأداء نسائي في الغناء، ضمن الوظائف المتعددة داخل القبيلة، في زمن كان فيه لحضور الشيخات في مختلف المناسبات رمزيته، ضمن دورة إنتاجية موسومة بالقلة والكفاف، فرضت، أحيانا، حياة مطبوعة بالاقتتال حفظا للحياة، تصير معها الفرجة والاحتفال تعبيرا عن انزياح هموم هذا وذاك.
الطيب بياض
تتمة المقال تجدونها في العدد 102 من مجلتكم «زمان»
حاولت البحث عن المقال في العدد رقم 102 بصيغته الورقية لكني لم اجده، هل من تفسير ؟ ام ان هناك مغالطة في رقم العدد؟