عاد حزب العدالة والتنمية مؤخرا إلى واجهة الفعل السياسي، لكن هذه المرة، ليس من خلال مواجهته مع فاعل سياسي آخر، بل مع ”فاعل تحكيمي “هو الديوان الملكي.
خلال اجتماع أمانته العامة يوم 4 مارس المنصرم، أصدر حزب “العدالة والتنمية“، من خلال موقعه في المعارضة البرلمانية، بلاغا مطولا حول مجموعة من القضايا يدلي بدلوه فيها .وفي إحدى فقراته، خصصها للسياسة الخارجية للمغرب، وبالتحديد العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، فوجّه انتقاده إلى وزير الخارجية ناصر بوريطة، متهما إياه «كأنه يدافع عن الكيان الصهيوني في بعض اللقاءات الإفريقية والأوروبية» حسب تعبير الحزب .البلاغ الذي صدر باسم عبد الاله بنكيران، أكد أن: «الواجب الشرعي والتاريخي والإنساني يستلزم مضاعفة الجهود في هذه المرحلة الدقيقة دفاعا عن فلسطين وعن القدس في مواجهة تصاعد الاستفزازات والسلوكات العدوانية الصهيونية».
لكن لم تمر إلا بضعة أيام، حتى أصدر الديوان الملكي بلاغه، وبنبرة صارمة، ينبه الحزب إلى مغالطاته ويذكّره بألا يقحم نفسه في شؤون من اختصاص الملك .وقال الديوان أن بيان الحزب المذكور «يتضمن بعض التجاوزات غير المسؤولة والمغالطات الخطيرة، في ما يتعلق بالعلاقات بين المملكة المغربية ودولة إسرائيل، وربطها بآخر التطورات التي تعرفها الأراضي الفلسطينية المحتلة». كما أضاف أن «موقف المغرب من القضية الفلسطينية لا رجعة فيه، وهي تعد من أولويات السياسة الخارجية لجلالة الملك، أمير المؤمنين ورئيس لجنة القدس»، ومنبها بأن «العلاقات الدولية للمملكة لا يمكن أن تكون موضوع ابتزاز من أي كان ولأي اعتبار، لاسيما في هذه الظرفية الدولية المعقدة». يرى محللون بأن ما قام به الحزب “المعارض“ هو محاولة لإصلاح ما “أفسده“ أمينه العام الأسبق سعد الدين العثماني خلال رئاسته للحكومة، أي حينما “تورط“ في التوقيع على الإعلان المشترك مع الجانب الإسرائيلي نهاية العام .2020 إذ ظل توقيع العثماني في نظر أعضاء الحزب «زلة لا تغتفر، ووصمة عار في تاريخهم السياسي والدعوي». ويربط المحللون أن ما قام به الحزب مؤخرا، يُقرأ ضمن سياق عودة بنكيران على رأس الأمانة العامة، الذي ما فتئ يذكر بأنه غير راض عما قام به سلفه العثماني، لهذا فهو يسعى كل مرة، وبما هو متاح، «لإعادة الاعتبار للحزب وإحياء قوته جماهيريا».
بنكيران الذي يعد أول رئيس حكومة سابق يطبع واجهة النقاش السياسي بعد انتهاء ولايته، بخلاف من سبقوه: كاليوسفي، وجطو وعباس الفاسي ..الذين تواروا إلى الخلف، إذ إن الرجل يتحدث كلما واتته الفرصة للإعراب عما يكنه له الملك من ود وما يجود به عليه، كما يكشف عن “خبايا“ علاقته بالديوان الملكي وبالشخصيات السامية أو الوزارية خلال ولايته الحكومية. كل هذا جعل الحزب بزعامة بنكيران الحالية، يرد على الديوان الملكي ببلاغ توضيحي وبنبرة تؤكد تشبثه بما ورد في بلاغه الأول؛ إذ جاء فيه أن انتقاده لوزير الخارجية، على الرغم من أنه على رأس وزارة سيادة، تأتي «باعتباره عضوا في الحكومة، يخضع كباقي زملائه في الحكومة، للنقد والمراقبة»، مع التأكيد بأن الحزب برئاسة أمينه العام عبد الاله ابن كيران، سيواصل «أداء مهامه والقيام بواجباته كما يضمن ذلك الدستور والقانون».