تنوع القضاء في المغرب، عبر تاريخه، بين عرفي وشرعي ومخزني وعبري خاص باليهود، قبل أن يؤسس الأجانب لقضاء قنصلي خاص بهم ابتداء من القرن الـ19.
يعتبر القضاء من بين أهم أدوات السيادة، وتكمن أهميته في استباب الأمن وحفظ الحقوق ورعاية المصالح ومنع التجاوزات وضمان استقرار الشعوب. وقد تميز المغرب، عبر تاريخه حتى القرن التاسع عشر، بتوفره على قضاء سيادي فعال حسب الظروف التاريخية، ومرن مجاليا. غير أن ما ميز القضاء المغربي هو التنوع من شرعي ومخزني وعرفي وآخر عبري، قبل أن ينضاف إليه القضاء القنصلي. وعبَّر التنوع المذكور عن وحدة السيادة وخدمتها، عكس ما ذهبت إليه الأطروحات الاستعمارية. إنه تنوع عكس الترابط والتكامل والانتماء، وخدمه كما خدم السيادة لأنه عمل على معالجة المنازعات وضبط الأمن وتثبيت الاستقرار، دون أن يكلف المخزن أية مصاريف تذكر. كما أنه تنوع عكس التعدد داخل البنية الاجتماعية المغربية.
مارست السيادة المخزنية شرعيتها الدينية عبر القضاء الشرعي، وسلطتها الإدارية عبر القضاء المخزني، ودمجت الخصوصيات المحلية عبر القضاء العرفي، ورعت حقوق الأقليات الدينية من خلال القضاء العبري. وراعى المخزن من خلال تنوع القضاء، تعدد المجالات المغربية وتنوعها. فالقضاء الشرعي مجاله الحواضر خاصة، والقضاء المخزني مجاله مقاطعات نفوذ العمال، والقضاء العبري مجاله الملاحات، أما القضاء العرفي فمجاله القبائل الأمازيغية. وقد غلب على القضاءين الشرعي والمخزني الطابع الشفوي على حساب المكتوب، كضعف توثيق الأحكام بدءا من تسجيل الدعوة حتى الشهادة واليمين والنطق بالأحكام، إضافة إلى غياب قوانين مدنية وجنائية مدونة ومصنفة حسب أنواع المخالفات والنزاعات، باستثناء ما ورد في الفتاوى والأحكام الشرعية.
يوسف أخليص
تتمة المقال تجدونها في العدد 73 من مجلتكم «زمان»، نونبر 2019