منذ القديم، ترسخت اعتقادات لدى المغاربة، كما عند كل البشر مهما اختلفت معتقداتهم ودياناتهم و”خرافاتهم “أيضا، أن أي عارض يصيب الإنسان قد يكون وراءه الجن أو ذاك ”الكائن غير المرئي”. كيف تمثلت الثقافة الشعبية المغربية الجن قبل وصول الإسلام؟ وكيف بدأ مفهوم الجن يترسخ في المخيال الجماعي، عند المسلمين ومنهم المغاربة؟ وما هي الوسائل التي اعتمدها الناس، هنا وهناك، لطرد الأرواح الشريرة التي سكنت مرضاهم؟ هل نجحت الدول، التي حكمت المغرب الأقصى، في احتواء ظاهرة المجانين، من خلال بناء مارستانات خاصة بهم؟ أي أدوار اضطلع بها “الفقيه “والولي والطالب لعلاج ”المَمْسوسين”؟ وهل كان اعتناء الزوايا بالمرضى بريئا، أم كان يُقدم خدمة لأغراض طائفية وسياسية؟ لماذا بقيت سلطة ”الفقهاء” ومؤسسات العزل التقليدية صامدة أمام العلم الحديث؟
يحاول الملف، الذي بين أيديكم، الإجابة عن هذه الأسئلة وأخرى، عبر تذكرة سفر في جذور الظاهرة منذ القديم إلى الآن .نتمنى لكم قراءة تجمع بين الإفادة والإمتاع.
لا يختلف الاعتقاد في الجن في الثقافة الشعبية المغربية عنه في الثقافة العربية الشرقية، حسب الدراسة التي قام بها إدوارد ويسترمارك، “الطقوس والمعتقد في المغرب” واعتمد فيها على أبحاث عدة، عن الجنون في الثقافة الشرقية .إلى ذلك قام وستنمرك بمسح ميداني فيما يخص معتقد الجن، والإصابة بالجنون، في المغرب. ويرى ويسترمارك، في كتابه القيّم، أن المعتقد الشعبي تأثر بالمعتقد الشرقي، واعتمد الباحث في عقد أوجه التشابه إلى ما قام به الأنثروبولوجي دوتي حول معتقد الجن والجنون عند العرب. ومن أهم المصادر التي تحدثت عن الجن والشياطين والمردة والعفاريت، ما أورده الجاحظ في كتاب “الحيوان“، ونجد أوجه التشابه ما بين المعتقد عند العرب، والمعتقد عند المغاربة.
ويرى ويسترمارك أن جزءا كبيرا من المعتقد فيما يخص الجن، مصدره الثقافة الإفريقية، أو بلاد السودان، وانتقل إلى “البربر“. وتأثر المعتقد المغربي بالثقافة الإسلامية التي تميز بين طائفة من الجن شريرة، وأخرى خيرة، كما ورد في القرآن، تستمع لآياته، وتعبدا لله وتصنع الخير .يمكن للجن في المخيال الشعبي أن تساعد الإنسان وتكون خادمة له، كما الجن الذين كانوا يخدمون النبي سليمان. ويمكن للجن، كما تخيل أبو العلاء المعري في “رسالة الغفران“، أن يظفروا بالجنة جزاء وفاقا على حسن الأعمال في الحياة الدنيا. أما ابن شهيد الأندلسي، فقد كتب كتابا عما يلازم الشعراء من “توابع وزوابع“ تلهمهم قول الشعر. وقد كان الاعتقاد، عند العرب، أن من يريد أن يقول الشعر فعليه أن يستلهمه من جني يدعى عبقر، (وقيل هو واد قفر يسكن به عبقر)، ومن مسه الجني عبقر، أصبح ينظم الشعر سهوا ورهوا. ثم قيل عن الشخص الباقعة، أي شديد الذكاء، عبقري.
هيئة التحرير
تتمة المقال تجدونها في العدد 101 من مجلتكم «زمان»