شكلت مدينة القدس أحد المحاور الرئيسة في العلاقات بين شرق عالم المسلمين وغربه خلال العصر الوسيط، وكانت وما تزال محط تقديس من قبل المغاربة المسلمين، لاعتبارات دينية – اعتقادية بالأساس، دعمتها أسس أخرى علمية وزيارية وجهادية .ولم يأل المغاربة جهدا لترسيخ هذه الأسس وإشاعتها فيما بينهم لضمان استمرارية ذلك التقديس تجاه بيت المقدس خاصة وفلسطين عامة.
استبطن مغاربة العصر الوسيط، باعتبار غالبيتهم مسلمين، مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تعلي من شأن بيت المقدس، والأجر المترتب عن تقديسه؛ إذ من المعلوم أن بيت المقدس شكل القبلة الأولى للمسلمين قبل نقلها إلى مكة، واختص المسجد الأقصى بمعجزة الإسراء والمعراج. تنوعت الأحاديث النبوية المرتبطة به من حيث مقصدها العام، منها من حض على فضل الصلاة بالمسجد الأقصى، شأن الحديث القائل: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا [أي مسجد المدينة]». ومنها من بيَّن مضاعفة أجر الصلاة فيه كقول الرسول صلى لله عليه وسلم: «ائتوه فصلوا فيه، فإن كل صلاة فيه كألف صلاة»، أو قوله: «الصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة» .بل ذهبت بعض الأحاديث إلى أن المصلي في بيت المقدس تغفر كل خطاياه: «من خرج إلى بيت المقدس لغير حاجة إلا للصلاة فصلى فيه خمس صلوات صبحا وظهرا وعصرا ومغربا وعشاء، خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه». ومعلوم أن المغربي المسلم كان يكابد مشاق السفر وصولا إلى بيت المقدس ومسجده، وكله رجاء في الحصول على الجزاء الأخروي والثواب والمغفرة المضاعفين.
ومن الأحاديث النبوية من شجع على الإقامة ببيت المقدس، الشيء الذي فَعَّلَهُ بعض المغاربة، فاندمجوا في المجتمع المقدسي، وشغلوا مجموعة من الحرف، وأضحوا جزءاً من ساكنته، واختار بعضهم الإقبار فيه تبركا بالحديث النبوي: «من مات في بيت المقدس فكأنما مات في السماء»، وكذا من باب الإيمان بأن بيت المقدس سيكون «ساحة القيامة والحشر»، تأسيسا على الحديث النبوي القائل: إن بيت المقدس «أرض المحشر والمنشر» .وأنه «أرض المنادي من الملائكة نداء الصيحة لاجتماع الخلائق يوم القيامة».
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 122 من مجلتكم «زمان»