يبدو تقديم الهدايا، في ظاهره، شكلا عفويا ينمّ عن الكرم ويعكس طبعا أخلاقيا لصاحبه. لكن الدراسات التاريخية والأنثروبولوجية تحفر في ما تحمله هاته العملية من رمزية وحمولات اقتصادية وثقافية وسياسية. “زمان” تعود إلى تاريخ الهدايا والهبات بالمغرب، وتركز بالأساس على أدوارها وحساسيتها في سياسة معظم سلاطين المغرب.
بالرجوع إلى تاريخ المغرب، نجد أنه لا يختلف كثيرا عن تاريخ الشعوب والحضارات الغابرة في ما يتعلق بنظام التبادل والمقايضة لدى القبائل البدائية الأولى. هذا النظام الاقتصادي المتوارث انتقل من مفهومه المادي إلى كونه “نظاما رمزيا”، هو ما يعرف بـ”الهدية” أو الهبة، تتداوله فئات المجتمع أو تمارسه السلطة. لم يسترع موضوع الهدايا والهبات، اهتمام كثير من الباحثين المغاربة لدراسته على حدة، من حيث أدوارها في المجتمع أو تحولها لرمز مرتبط في تمثلاته ببنية السلطة، مع استثناء توظيف عبد لله حمودي لهذا المفهوم في أطروحته حول “الشيخ والمريد”. ومن بين الدراسات الأجنبية التي تنبهت إلى حمولات الهبة أو الهدية هي أبحاث الأنثروبولوجي الفرنسي مارسيل موس في كتابه الشهير “مقالة في الهبة”. تنبه هذا الأخير من خلال دراسته لنظام “البوتلاتش والكولا” لدى بعض القبائل، إلى أن عملية التهادي تعد شكلا تعاقديا بين المجتمعات.
في السياق العربي والإسلامي، شكلت الهدية في المجتمع القبلي تعبيرا إما عن الكرم والجود، أو حسن النية، أو بوادر صلح. وقد استند في ظاهر الأمر بما جاء في الأحاديث النبوية التي تحث على التهادي: «تهادوا تحابوا»، «لا تردوا الهدية»، وفي أحايين كثيرة بأن الهدية “صدقة ونعمة من لله وجب اقتسامها”. لكن يبدو أن الهدية في المغرب، تقلبت بين الاختيار الطوعي وبين كونها آلية تضمن استمرارية الولاء والرضا بين طرفين. وتسببت، في بعض الأحيان، في إثارة المشاكل مع الدول الأجنبية.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 80 من مجلتكم «زمان»