لا تزال سنوات الرصاص التي عرفها المغرب في سبعينات القرن الماضي تبوح بالكثير من أسرارها رغم مرور كل هذه العقود، لتعرفنا بتفاصيل أخرى عما تعرض له المعتقلون يومها من انتهاكات لحقوق الإنسان، لم تقتصر على المشتبه بهم في مشاريع انقلابية، بل مست حتى أسرهم وعوائلهم من نساء وشيوخ وأطفال، فلم يسلموا هم أيضا من الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري ومختلف أنواع التعذيب النفسي والجسدي .في هذا الحوار يتحدث امبارك اكفوح عما عاشه من محنة رفقة أمه وجدته وإخوته الصغار، وعما عاينه وهو طفل لا يتجاوز عمره اثني عشرة سنة من مشاهد التعذيب والقسوة في مراكز اعتقال متعددة…
قبل اعتقال كل أفراد العائلة سنة 1973 كنتم تعيشون بالقصر الملكي بفاس، ماذا كانت وظيفة والدكم وما سبب إقامتكم بالقصر؟
والدي “علا أفكوح“ رحمه الله كان فلاحا ومقاوما بدويا في بداية حياته، وكان معروفا في أوساط قبائل بني مطير بشراسة مقاومة المستعمر الفرنسي، بحكم براعته في هواية القنص ونشاطه السياسي في صفوف حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية آنذاك، حيث كان رئيسا لفرعه بمدينة الحاجب، مما جلب عليه عداء السلطات، وأيضا أتاح له فرصة اتساع دائرة معارفه وطنيا وخاصة ارتباطه الوثيق بمنطقة الأطلس المتوسط، كان منزله مركزا لتجميع أسلحة المقاومين بالمنطقة ثم تسليمها لمسؤولي المقاومة بالدار البيضاء، وبعد استقلال المغرب، تمكن عبر أحد أصدقائه من ولوج وظيفة مخزني بجلبابه الأبيض وعمامته الحمراء بالقصر الملكي بالرباط، لكن لمدة قصيرة فقط، لأن أحد أعدائه أبلغ مسؤولا عسكريا بالرباط بتواجد معارض بالقصر، فتم نقله الى القصر الملكي بفاس بداية ستينات القرن الماضي، وهناك كان مساره حافلا بالمخاطر إلى درجة وضعه صوب أعين المخابرات العسكرية والتي حاولت مرتين استقطابه وإغراءه كأمازيغي من جهة، وكمناضل حزبي من جهة أخرى دون جدوى، ومنذ ذلك الحين والعائلة كلها تقطن بمنزل داخل القصر الملكي بفاس الذي عرف ولادة كل من أختي حليمة وأخوي إدريس وحميد، كانت أمي ربة بيت، فيما نحن الأطفال الكبار تابعنا دراستنا بمدرسة درب الزاوية بفاس الجديد إلى حدود مارس من سنة 1973.
تقصد تاريخ الاعتقال الذي طال أسرتكم، والذي من الواضح أنه لم يكن مرتبطا بأحداث الانقلابات العسكرية التي عرفها المغرب سنة 1971 و1972، فماذا كانت أسباب الاعتقال، وبِم اتهم والدكم؟
اعتقال الوالد واختطاف الأسرة لم يكونا مرتبطين بأحداث الانقلابات العسكرية، بل كانا مرتبطين بما كان يعرف آنذاك بـأحداث مولاي بوعزة المدنية المسلحة التي انطلقت شرارتها بمنطقة خنيفرة في مارس 1973 مباشرة بعد عيد العرش، تحت تدبير التنظيم السري لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي كانت أغلب قياداته في المنفى كالراحلين عبد الرحمان اليوسفي والفقيه البصري. الاعتقالات آنذاك مست جل مناضلي الحزب خاصة واليسار عامة وامتدت أحيانا الى أفراد عائلاتهم، وبحكم ارتباط والدي الوثيق بالمنطقة كأمازيغي وانتمائه الحزبي والصداقة التي كانت تجمعه بأمحزون موحا أولحاج وأومدا وآخرين كلهم من مدينة خنيفرة، تم اعتقاله من طرف الجنرال الدليمي وأعوانه في شهر مارس، مر بعدها بثلاث معتقلات سرية كلها أماكن مورس عليه أبشع أنواع التعذيب بها.
حاوره محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة الحوار تجدونها في العدد 128 من مجلتكم «زمان»