رغم أن الشيخ بلعربي العلوي ابن منطقة مدغرة بالجنوب الشرقي بالمغرب لم يخلف شيئا مكتوبا، إلا أنه يمكن اعتباره رائد السلفية الوطنية بالمغرب، وناقلها من مرحلة التنظير الفكري والإصلاح المجتمعي، إلى النضال السياسي والمعترك الديمقراطي.
فبعد حفظه للقرآن وإتقانه لبعض علوم الآلة بمسقط رأسه نهاية القرن التاسع عشر، انتقل لفاس ونال بجامعتها شهادة ”العالمية”، وعين عدلا بنفس المدينة، ثم انتقل إلى طنجة لتدريس أبناء السلطان المعزول المولى عبد الحفيظ، وعاد إلى فاس ليتولى بها القضاء، ثم رئاسة مجلس الاستئناف بالرباط، فوزيرا للعدل سنة .1938 اتسمت علاقة بلعربي العلوي بنظام الحماية الفرنسي في بدايتها بالتعاون، خاصة في مجال التعليم وتحديث الإدارة، لكنها ما لبثت أن تحولت إلى طور المواجهة بعد تعرض الوطنيين للقمع سنة 1944، فاستقال الشيخ من وزارة العدل، وساند الحركة الوطنية، ورفض بيعة بن عرفة، فتعرض للنفي مرتين، ووضع تحت الإقامة الجبرية، وكان رائدا وموجها للحركة الوطنية في صراعها مع المحتل.
وقد كان الفكر الإصلاحي الذي تبناه بلعربي العلوي مرجعا للحركة الوطنية في مواجهة الاحتلال فكريا وثقافيا، فقد كان ينادي بتحرير العقل الإسلامي من الخرافة والشعوذة، وإعلاء قيمة الحرية، وتصدى من أجل ذلك لبعض الطرق الصوفية التي كانت توظف الإيديولوجيا لتكريس الأمر الواقع وتحسينه، كما كان يشدد على ضرورة تعليم المرأة وخروجها للعمل، خلافا لما كانت عليه فتاوى الفقهاء في ذلك الوقت.
كل هذا المسار جعل للشيخ بلعربي العلوي صدى واسعا وسمعة منتشرة، لدرجة أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عينته رئيسا شرفيا لها عام ،1951 بل إن الشيخ البشير الإبراهيمي أحد أبرز علماء الجزائر ورئيس الجمعية خلع لقب الإمام على بلعربي العلوي، وقال في تقديم له لمقالة علال الفاسي على الشيخ : «والأستاذ الأكبر الشيخ محمد بن العربي العلوي إمام سلفي وعالم مستقل واجتماعي جامع .وهو -في نظرنا -أحق برتبة الإمامة من كثير ممن خلع عليهم المؤرخون هذا اللقب. ونحن في أخص الصفات التي تربطنا به وهي السلفية والإصلاح نجاوز درجة الإعجاب به إلى الفخر والتعاظم».
وقد حاول البشير الإبراهيمي زيارة بلعربي العلوي بالمغرب سنة 1937 بعد وفاة الشيخ أبي شعيب الدكالي، لكن سلطات الاحتلال منعته من ذلك، وفي سنة ،1948 قام الشيخ حمزة بوكوشة عضو المجلس الإداري للجمعية بزيارة بلعربي، وكتب كثيرا عن الزيارة مبديا كل الإعجاب والافتخار بتلك الزيارة.
بل حتى بعض المؤرخين الغربيين أثنوا على شجاعة الشيخ بلعربي وحسه الوطني، كالمؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان صاحب كتاب ”المغرب في مواجهة الإمبرياليات 1956-1415” والذي وصف فيه الشيخ بـ”الرجل الحكيم ،”وأنه كان على «درجة كبيرة من الوعي والشجاعة»، كما وصفه
بـ«السلفي المتحرر»، وبكونه «أستاذا فكريا للشباب.»
المؤرخ الإنجليزي روم لاندو، صاحب كتاب ”تاريخ المغرب في القرن العشرين” تحدث بإجلال كبير عن الشيخ بلعربي العلوي، لدرجة القول بأنه «يبدو عليه مظهر الأنبياء، وله عيون المجاهدين… وما يبدو عليه من الحكمة المشوبة بالريبة يضفي عليه شيئا من هيبة سقراط».
ورغم وفاة الشيخ العلوي عام 1964 في بيته بنواحي مدينة فاس، معتزلا كل المناصب والوظائف، بعد توتر علاقته بالنظام، إلا أنه ترك أثرا كبيرا في محيطه وتلاميذه الذين توزعوا بين مختلف الاتجاهات والأحزاب الوطنية.
محمد عبد الوهاب رفيقي