أتبنى هذا التعبير الذي نحته المؤرخ مصطفى بوعزيز في شأن نزاع الصحراء من أجل الانتقال بها من أداة فصل إلى عنصر وصْل. والرهان كيف يمكن للصحراء التي شكلت لعقود ساحة نزاع، وبؤرة توتر، أن تتحول إلى عنصر وصْل بين مكونات المنطقة، وبين المنطقة وعمقها الإفريقي.
هناك تغييرات دولية تلقي بظلالها على الملف مما يفرض تغيير براديغم التعامل. من هذه المعطيات ما يجري على الساحة العربية والإفريقية من اتجاهات انفصالية، تهدد وحدة هذه الدول وتدخلها في أتون حروب أهلية، وتزج بها في خانة الدول الفاشلة، ومع يستتبع ذلك من تفكيك بنية الدولة وتهلهل سدى المجتمع. ومنها كذلك المخاطر التي تشكلها الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل، ويمتد خطرها إلى عقر الغرب ذاته. أحسنت الدبلوماسية المغربة قراءة هذه المتغيرات وانعكس ذلك إيجابا على أدائها. ولذلك، لا يمكن فصل أزمة الگرگرات عن هذه التحولات العالمية التي لا تصب في صالح الانفصال.
لكن الانتقال من براديغم إلى آخر، رغم التحولات الدولية، يفترض عملا بشريا، ومقاربة جديدة. واليأس ليس هو البديل و التشنج ليس سياسة والمغامرة ليست حلا. لا بد من الإبقاء على باب الأمل، وعدم الملل من الدعوة للحوار.
مما يسجل إيجابيا هو المبادرات الخلاقة التي تسعى أن تخرج من نفق البراديغم الذي تسير عليه الأمم المتحدة والذي أخفق ولا يمكنه إلا أن يخفق. الأمر الإيجابي للمبادرة الأممية هو فرض وقف إطلاق النار، لكن الأمم المتحدة لن تستطيع أن تأتي بحل. وهي تنظر إلى الملف من زاوية تصفية الاستعمار، وهو ما يتنافى مع الطرح المغربي الذي يقول باستكمال الوحدة الترابية، أسوة بما تم في الشمال، مما كان يسمى المنطقة الخليفية ثم إقليم طرفاية فسيدي إفني. بالنسبة للطرح المغربي، مهما اختلفت المشارب، قضية الصحراء هي استكمال لذات المسار الذي انتهجه المغرب مع إسبانيا، وظلت تماطل بشأنه وتناور، من أجل مقايضة مطالب المغرب في كل من تلك الأقاليم، مع سبتة ومليلية. هذه حقائق تاريخية دامغة.
من المبادرات الإيجابية ما أقدم عليه مركز بنسعيد آيت إيدر لكسر حالة الجمود في سلسلة من لقاءات مع أطراف النزاع، بما فيها جبهة البوليساريو، وبقدر ما أبدى الحزب استعداده للحوار مع البوليساريو رفض أن يتم ذلك باسم “الجمهورية الصحراوية“. وأجرى المركز في الجزائر سلسلة من لقاءات مع أطياف جزائرية عدة، وكان البراديغم الذي يدفع به المركز هو أن الواقع الجديد يحتم الاعتراف بالهوية المحلية بداخل الهوية الوطنية بداخل الهوية المغاربية الجامعة. أي أن تقوم علاقات تكامل بين هذه المكونات عوض أن تصبح عناصر تنافر.
لم يُتح لمركز بنسعيد أن يذهب أبعد لأن مع ما عرفته الجزائر من حراك أوقف اللقاءات المرتقبة. لكن مبادرة المركز تستحق التشجيع.
ومن الاجتهادات القمينة بالاهتمام تلك التي قدمها الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، في الحوار الذي خص به مجلة “زمان“، في النسخة الفرنسية قبل سنتين، من ضرورة الخروج من البراديغم الساري لصياغة براديغم جديد من أجل حل قضية الصحراء، أو ما قاله مؤخرا في حوار له في جريدة “القدس“ مع الصحافي نزار بولحية، من أن قضية الصحراء تعطل البناء المغاربي، ومصلحة 100 مليون نسمة تسمو على رؤى جماعة لا تتعدى عشرات الآلاف، وأن الحكم الذاتي الإطار الأمثل لحل قضية الصحراء.
لم تُستنفَذ كل أسباب الحوار مع أبنائنا من الصحراء، فمهما اختلفنا سياسيا مع بعض منهم، فهم أبناؤنا، وحتى مع الأشقاء الجزائريين، ينبغي ترك باب الحوار مواربا، دون أن نغفل كل الفعاليات في موريتانيا، وحتى تونس التي تتأذى من حالة الجمود التي ترين على الإتحاد المغاربي ويتابع مثقفوها وفعاليتها السياسية الملف لوعيهم بالانعكاسات السلبية للتوتر المزمن على المنطقة برمتها.
كانت معادلة المغرب دوما، وهي معادلة تتسم بالحكمة، هي الخروج من منطق الغالب والمغلوب. يكون منطق الغالب مع خصم أو عدو، ولا يمكن أن يكون مع من هو ابنك أو شقيقك. في إطار المصالحة نكون كلنا غالبين، وفي إطار التوتر نظل كلنا مغلوبين.
لا ينبغي أن نمل من الدعوة للحوار، مهما كانت المثبطات. فقضية الصحراء التي كانت سبب الفصل، يمكنها أن تصبح توطئة للوصل بين أبناء المنطقة المغاربية، وفق ما يقتضيه التاريخ والمصالح الجيوستراتيجية والعقلانية الاقتصادية.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير