تمكن الموحدون من ضم المغارب، وكرر المرينيون التجربة، لكن حلمهم في الاستئثار بزعامة المنطقة لم يدم طويلا.
الحديث عن التجربتين السياسيتين الموحدية والمرينية لجعل بلاد المغرب تحت حكم مركزي واحد، رهين، في غالبه، بتصور المادة المصدرية المغربية للموضوع، والتي يسعى المؤرخ جاهدا، ألا يسقط ضحية تصوراتها. قبل عام 1152م، نجح الموحدون، بقيادة عبد المؤمن، من ضم كل المجال الذي كان تحت سيطرة المرابطين، أي المغرب الأقصى وجزء من المغرب الأوسط، لا يتعدى جبال ونشريس. سنتان بعد ذلك، بدأوا في مهاجمة مملكة بني حماد الضعيفة في المغرب الأوسط، ولم يبذلوا مجهودا في ذلك، في حين واجهوا صعوبات جمة في إخضاع القبائل العربية. وكان لتردي الأوضاع في إفريقية، نتيجة احتلال النورمان لمجموعة من مراسيها انطلاقا من صقيلية، وامتداد نفوذهم إلى سائر أنحاء البلاد، دور أساس في استغاثة أهاليها بالموحدين الذين تفاعلوا مع النداء، فاستولوا بداية على تونس، وأخضعوا في يناير 1160م المهدية، المعقل الرئيس للنصارى النورمان، الذين تم إجلاؤهم من إفريقية. ومنذ هذا التاريخ، توحدت بلاد المغرب لأول مرة في تاريخها من طرابلس الغرب شرقا إلى أقصى السوس غربا تحت كيان سياسي واحد. عندما توفي عبد المؤمن سنة 1163م، كانت الدولة التي شيدها تضم مجالا واسعا، تسيره “إدارة” كفؤة، غير أن الحفاظ على هذا المجال ونظامه لم يكن دوما سهلا، فقد استدعى الأمر استخدام القوة في عدة مناطق في وقت لم تكن فيه قبائل بلاد المغارب اكتسبت بعد عادة العيش معا تحت سلطة كيان سياسي واحد وموحد. استمر المجال المتسع الذي سيطر عليه الموحدون قائما في إطار دولتهم قرابة نصف قرن (1213-1163م)، تعاقب على الحكم خلاله ثلاثة خلفاء هم أبو يعقوب يوسف، وأبو يوسف يعقوب المنصور، ومحمد الناصر.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 65 من مجلتكم «زمان»